شفيقة غزوي تكتب: المرضى النفسيون بين مطرقة الوصم وسندان التمييز

لا شك أن التقدم الذي أحرزه الطب الحديث وطرق التشخيص للأمراض النفسية سواء من حيث الدقة او من حيث العلاج من أدوية فعالة ومرافقة الحالات، جعلت المرض النفسي كغيره من العلل يعرف ويشخص ويرجى شفاءه، ما جعل المريض النفسي، في كثير من الحالات، يكسر جدار الصمت ليعلن معاناته في الوسط الطبي المؤهل لتشخيص مرضه وتتبع حالته.

إلا أن الوصم الاجتماعي الذي ينال من هؤلاء المصابين تجعلهم ضحية اتهامات وتصنيفات أقل ما يقال عنها انها ظالمة قاسية مستفزة.

عايشت غير ما مرة قصص وحكايات تتنوع من اكتئاب حاد إلى وسواس قهري إلى غير ذلك من الأمراض النفسية، وهذه بعض منها:

شاب في مقتبل العمر أحاله الاكتئاب الحاد الى شبح متثائب الحركات فاقد الرغبة في كل شيء وسط أسري رافض لكل سبل العلاج، لا لشيء إلا هروبا من وصمة العار، هل يعقل ان يقال عنه مجنون، لا يمكن، فبذلك لن يجد فرصة عمل، حياته المستقبلية مهددة بالضياع، قبل أن يتدخل أحد المقربين وأقنع العائلة بأن العلاج ممكن والدواء متاح، ما أحال الشاب من شارد بائس الى انسان طموح مقبل على الحياة.

قصة اخرى لطالبة عانت الأمرين من أعراض الوسواس القهري الذي استوطن جسمها واحال حياتها جحيما لا يطاق. تردد مستمر وانفعالات قلق متزايدة، ساعات وساعات من التنظيف وإعادة التنظيف.

بدأ الامر بسيطا عاديا فتطور شيئا فشيئا ليصبح هاجسا مستمرا. هي تعرف أن تصرفاتها غير منطقية وغير معقولة لكنها مدفوعة بسلوكيات قهرية متكررة تستنزف طاقتها. حياتها اصبحت سلسلة من التصرفات المتكررة البليدة وقلق مزمن دائم، تجاوز حدود المعقول.

لم يكن في مقدور الشابة البوح بما تعانيه حتى لأقرب الأقرباء خوفا من أن تنعت بالجنون وتكون محط سخرية وازدراء، إلى أن هداها تفكيرها أن تعرض حالتها على مختص، حيث لم تصدق مدى التأثير الايجابي والتحسن الذي طرأ عليها، فشيئا فشيئا بدأت تستعيد عافيتها.

حالتان على سبيل المثال، لا الحصر، تلقيان الضوء على الاضطرابات النفسية التي تصيب الانسان ومدى ثقل الوصم والتمييز الذي يصاحبهما.

ونحن بصدد تخليد اليوم العالمي للأمراض النفسية، لابد ان نحيي مجهودات الاطقم الساهرة على التطبيب والاستشفاء والمرافقة النفسية، دور لا يستهان به تقوم به فعاليات المجتمع المدني ووسائل الاعلام لتنوير الرأي العام من اجل رفع الوصم والتمييز ومحو الصورة النمطية المغلوطة التي ترسخت عبر عقود في اذهان المجتمعات.

مفاهيم خاطئة شاعت بين الناس حول المرض النفسي، ونشر الوعي بأن المرض النفسي، كغيره من الامراض، تشخيصه ضروري وعلاجه ممكن والأمل في شفاءه كبير كفيل بأن يزرع بذور الثقة ويزيل الوصم والتمييز عن هاته الفئة من الناس.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة