ياسر منينة يكتب: لكي نفهم!

لم يكن أكثر المتشائمين ليتوقع وضعا أسوأ من الوضع المعيش اليوم، فأن تغلق مراكز الترفيه، المدارس، بل وحتى المساجد، وتتوقف العديد من القطاعات الحيوية ويفقد حشد كثير من الناس مصدر قوتهم، فهذه كارثة بكل ما في الكلمة من معنى ولن يستطيع تقييم حجم الأضرار التي ستترتب عليها إلا المتخصصون، ومع ذلك لا يمكن التوقع أن تكون خفيفة نسأل الله اللطف.

سيقول لي قائل وما الجديد في ما ذكرت، هذا كله وأكثر نعرفه فما الفائدة من سرد ما هو معلوم، رويدك قليلا ودعنا نفكر جيدا ونقيم الوضع من ناحية تعاملنا وتعاطينا معه.

فقد تطور تعاطينا مع جائحة كورونا تدريجيا شأننا شأن من سبقونا وبدأ عندهم الوباء، فتحولنا من التساءل حول ماهيته إلى الانبهار من سرعة انتشاره فالتفكير في جدية الأمر فالاستسلام للأمر الواقع وتغيير الواقع المعاش بشكل جذري ودراماتيكي، فكيف لمن اعتاد التسكع طوال اليوم أن يتقوقع في داره مكرها وهو قادر على الخروج، وقس على ذلك من الأمور التي تغيرت.

مرة أخرى لم آتي بشيء جديد، طبعا فالجميع يتتبع الحدث لحظة بلحظة متسلحا بشاشة ذكية في راحة يده يقلب في وسائل التواصل بأصابعه ويحدث الصفحات والمواقع باستمرار متلهفا لسماع ” العاجل” بلغة الإعلام اليوم، إلا أن ما لم ننتبه له ونعطه اهتماما وهو كيف نسيطر على الوضع قبل أن يسيطر علينا، كنا نستطيع أن نكون أكثر راحة ومرونة في التعامل مع كورونا وما فرضته علينا من تدابير وإجراءات، أنا لا أتحدث هنا عن ما تتخذه الجهات الرسمية من خطوات مشكورة عليها، فهي تقوم بدورها في مواجهة الوباء والحد من انتشاره، ولكنني أتحدث عن تعاطينا نحن معها كأفراد وكيف بالغنا كثيرا في إعطائها أهمية أكثر مما تستحق، ستقولون لي أنت في بداية حديثك تحدثت عن خطورة الوضع وأن الناس فقدت مصدر قوتها فعن أي مرونة وراحة تتحدث، سأجيب أن المشكل ليس في كورونا بل فينا نحن الذين غيرنا وأحدثنا في نمط عيشنا فأثبتت لنا كورونا عدم صحته.

فعلى سبيل المثال لا الحصر نحن نستهلك أكثر مما نحتاج إليه وننفق على أمور ليست ضرورية وحتى الضرورية نبالغ فيها والدليل أن العديد من الناس أخذت في التسوق بشكل مبالغ فيه جدا غير آبهة بما سيحدثه ذلك من ضرر في توازن المعروضات مما قد يأدي إلى كارثة أكبر من كورونا لا قدر الله، فنحن نستهلك أكثر مما نحتاج، ستردون علي وما شأن الأسر الفقيرة التي بالكاد تجد ما تأكل وقد انقطع مصدر رزقها؟؟

سأجيب مرة أخرى أن المشكل فينا أيضا نحن الذين أصبحنا نفكر بأنانية وغابت فينا قيم التضامن والتآزر ونسينا أننا عشنا في ديار كانت تأوي الكثير من الأسر ومع ذلك كانوا قادرين على التعايش فيما بينهم بفضل قيم التآزر والتعاون وتغلبوا على قلة ذات اليد، فليس لنا حجة نتحجج بها ولا “غربالا نغطي به الشمس” ونقول أن وضعيتنا تضررت بفعل كورونا بل إن أخطاءنا انكشفت بفعل كورونا.

ودعني أحدثكم بلغة العلم والأرقام، فمرض كورونا تكمن خطورته في سرعة انتشاره نعم ولكنه أقل خطرا من عدة أمراض، فعدد الوفيات بسبب السرطان مثلا يقارب الثلاثة ملايين، أما بالنسبة للوفيات بسبب التدخين ما يناهز المليوني وفاة والعديد من الأمراض التي تفتك بالأرواح البشرية وهي كانت موجودة قبل كورونا ولم نعرها اهتماما أكبر مثل كورونا مع أنه يجب أن نفعل، أنا لا أدعو إلى التساهل أو التلكأ في تطبيق إجراءات الوقاية ولكن إلى التعامل بالشكل المطلوب والمدروس مع ما نواجهه في حياتنا، فكورونا ليست إلا فترة عابرة ستخلف وراءها ما ستخلف من خسائر، إلا أن هذه الخسائر ليست هي ما يجب أن نفكر فيه بل كيف نصحح تفكيرنا وخططنا القصيرة المدى، لابد.

وفي الأخير أعتذر لكم عن الأطالة ولكن كانت ضرورية من أجل أن نفهم، ودمتم سالمين ورمضان مبارك.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة