بلغة المرحوم الشاب ميمون الوجدي.. “sans retour”

“أعباد الله” ما وقع ويقع من نزوح جماعي صوب سبتة المحتلة خطيييير جدا، إنه مؤشر صريح لانهيار مفاهيم كبرى ظلت تغذي الشعور بالانتماء للوطن، إنه الوجه الحقيقي لتراكمات الفشل في السياسة والاقتصاد والديبلوماسية والتربية.. إنه الصورة الواضحة لنهاية شعور في زمن الشعار!
علماء الاجتماع يقرأون الوقائع بالبواعث السابقة عليها، ومن خلالها يؤكدون أنه لا شيء يحصل صدفة، كل شيء يُبنى ويشيد، كل شيء تصنعه متغيراته المركبة.. لكن للأسف تراجيديا ما وقع ويقع في الفنيدق يكشف أن مآلات فهم الظاهرة منفلتة من كل تفسير واضح، بل ما هو واضح في المسألة هو أن الإنسانية انحدرت إلى مستوى الصفر في الهنا، والشعور بالحميمية الوطنية فقد معناه في زمن الجحود والنكران.
ما وقع تحصيل حاصل، وكل تبريرات الفعل الرسمي لا تعدو كونها ” خواء في خواء ” بالنظر إلى أنه لا شيء يسمو على المواطن، ولا شيء يمكن أن نقيسه به، وإذا ما بدا لنا أن المسألة محكومة بحسابات رهائنية مع الإسبان، فإن الفضيحة هي أن المغاربة يخاطرون بأرواحهم من أجل هؤلاء أنفسهم؛ هناك حيث يتحملون كل شيء.. لكن لم تعد لهم قدرة التحمل على ما يقع لهم هنا.
من يتحمل مسؤولية الشأن العام لا يجاهر بالحقيقة، ومن يتلذذ بجزء من كعكة السياسية أو الثقافة أو الفكر أو المقدس.. يخرس لسانه، ويجتهد في تغيير المواقع، والبحث عن المكاسب، وبالطبع مع تغيير الحقائب وربطات العنق و” الكوستيم”!
أخطر ما قد يتسبب في فناء الإنسان شعوره ب” اللاقيمة”، وكلما اتسعت هوة التهميش، وتمددت فجوة الاستبعاد، وأعادت الدولة إنتاج أسباب التهميش والإقصاء.. مات الأمل، وكبُر حلم الرحيل؛ إنه الرحيل الأبدي وبلغة المرحوم الشاب ميمون الوجدي “sans retour”.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة