عبد اللطيف المتوكل يكتب: “أوصيكم خيرا بالمغرب الفاسي”
فقدت الساحة الرياضية الوطنية بصفة عامة، والفاسية بصفة خاصة، شخصية رياضية عملاقة بوفاة السي محمد بن زاكور، اللاعب الأسبق في صفوف نادي المغرب الفاسي لكرة القدم، ورئيسه الأسبق والتاريخي والمرجعي على مر الأزمنة…
ودعنا الحاج محمد بن زاكور يوم الأحد تاسع (09) غشت 2020، عن عمر يناهز 88 عاما، وخلفت وفاته حزنا عميقا ليس في صفوف مكونات نادي المغرب الفاسي فقط، وإنما في صفوف كل مكونات الحركة الرياضية الوطنية، بالنظر إلى المكانة العالية والمرموقة للرجل، من الناحية الفكرية والعلمية والرياضية، ولإسهاماته وعطاءاته المضيئة، وبصماته القوية في تاريخ المغرب الفاسي.
السي محمد بن زاكور الذي حمل قميص الفريق كلاعب أنيق ومبدع في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، اضطر إلى الهجرة لفرنسا لاستكمال مساره الدراسي الجامعي العالي في مجال الطب، وهو يتأسف على فراقه الصعب للفريق الذي نشأ وترعرع فيه، وارتبط به وجدانيا إلى حد كبير، لكنه لم يكن يعرف أن القدر يخبئ له مفاجأة سارة في المستقبل القريب، ليعود لحمل قميص الماص داخل التراب الفرنسي، وفي قلب ملعب “حديقة الأمراء” بالعاصمة باريس في أحد أيام سنة 1954.
كانت المفاجأة أكثر من سارة ورائعة، حينما تمكن فريق المغرب الفاسي من التأهل لثمن نهاية كأس فرنسا، كممثل لمنطقة شمال إفريقيا، بعد تخطيه بنجاح للاقصائيات على حساب أندية كبيرة يقام لها ويقعد في المغرب والجزائر.
رحل المغرب الفاسي إلى فرنسا ليجد أمامه فريقا كبيرا هو ريد ستار، ولأن عشق الماص لا حدود له، هب السي محمد بن زاكور بكل تلقائية وحماس وعزيمة ليعزز الصفوف، ويكتب مع لاعبين متميزين ورائعين، ومسيرين من العيار الثقيل، صفحة مجيدة في مسيرة المغرب الفاسي، كأول فريق مغربي يسافر إلى فرنسا لإجراء مباراة رسمية ضد فريق فرنسي.
ورغم أن المباراة انتهت لمصلحة ريد ستار بحصة ثقيلة (9-0)، إلا أن المبدع والأنيق السي محمد بن زاكور، كان سعيدا بهذا الحضور غير المتوقع، وهذه المشاركة التاريخية في كأس فرنسا، وهم يواجهون فريقا ينتمي لمنظومة احترافية، فلا أحد ألقى بالا لتلك الخسارة القاسية، خاصة أنها جرت في ظروف مناخية باردة وجد قاسية، اتسمت بكثافة الثلوج، بقدر ما كانت اللحظة تبعث على الفخر بالتأهل للمشاركة في الأدوار الحاسمة من كأس فرنسا.
عاد السي محمد بن زاكور إلى المغرب بعد أن أنهى مساره الدراسي الجامعي العالي بنجاح، ووجدت فيه مكونات الماص رجل المرحلة بامتياز لرئاسة الفريق، وقيادته نحو كتابة صفحات مشرقة إضافية في تاريخه، فحظي بالثقة وتولى مهمة الرئاسة سنة 1962، دون أن يخطر بباله أنه سيستمر في حمل المشعل إلى بداية عقد الثمانينيات، وسيكون أول رئيس في تاريخ الماص، وربما في تاريخ الرياضة الوطنية سيقضي هذه المدة الطويلة والقياسية في منصب الرئاسة.
لكن هذه الخاصية تعكس مكانة وقيمة الرجل، فهو لم يكن ليقضي مدة تناهز 19 عاما كرئيس للماص، لو لم يكن ناجحا في مهمته إلى أبعد الحدود.
فالحصيلة الايجابية والملفتة، والانجازات التي حققها الفريق على الصعيد الوطني خاصة فوزه بلقب البطولة خمس مرات سنوات 1965 و1966 و1971 و1974 و1979، واعتماده لتدبير إداري ورياضي ومالي راشد، أعطى فيه الأولوية لتكوين الفئات الصغرى، ولخيار التشبيب، حتى تظل مدرسة الماص مشتلا للعطاء وتفريخ المواهب والطاقات الصاعدة، مع البحث عن “العصفور النادر” في أماكن أخرى، واستقطابه لتعزيز الصفوف، هي التي جعلت منه رئيسا بارزا ومحنكا، وذا مصداقية واحترام وتقدير…
وعندما أدرك أن ساحة ترك المسؤولية دقت بقوة، وأنه من الصعب عليه أن يستمر مع نشوب التفرقة بين اللاعبين، وانقسامهم إلى طائفتين، انسحب في صمت، ليتيح الفرصة لمن سيأتي بعده لإكمال المسيرة ومعالجة المشاكل المطروحة بكثير من الواقعية والالتزام والجرأة في اتخاذ القرار.
ترك السي محمد بن زاكور الرئاسة، مخلفا وراءه رصيدا ثمينا من المكتسبات المادية والمعنوية، ورصيدا من السمعة الطيبة.
كان يعمل ويجتهد دون أن يدور في خلده أنه سيتعب من سيأتي بعده، ولكنه كان يرى في تجربته الناجحة حافزا لمن سيتولون المسؤولية في ما بعد، ومفخرة لبذل مزيد من العمل الجاد، والتفاني في الدفاع عن إرث الماص.
ويمكن القول إن هذا الرصيد المضيء هو الذي حفز الماص على المضي قدما في إنجاب لاعبين موهوبين ومرموقين، والفوز من جديد بلقب البطولة الوطنية مع المدرب الفذ والمقتدر السي بوشعيب الغالمي رحمه الله، ومع جيل رائع من اللاعبين الكبار بعطاءاتهم والتزامهم…
عاد السي محمد بن زاكور لرئاسة الماص في بداية التسعينيات، بعد أن شدهم الحنين لخبرته وكفاءته، وساهم في تصحيح المسار، لكنه غادر في وقت قياسي بعد أن استشعر أن زمنه في التسيير انتهى، وأن الزمن لا يعيد نفسه إلا لماما.
حب وعشق الماص ظل راسخا في وجدان الحاج السي محمد بن زاكور، وصلته بالفريق لم تنقطع حتى وهو على فراش المرض، كان يتألم ويتحسر على ما يعيشه النادي من تفكك وتفتيت وانهيار، لكنه بقي متسبثا بالأمل في غد مشرق، وأن تتحقق أمنيته في أن يرى أو يسمع بأن مكونات الماص وحدت الصفوف والكلمة من أجل بناء الفريق على أسس متينة والتخطيط لمستقبل واعد ومشرق.
كان حريصا على أن يودع زائريه في البيت أو المصحة، ممن يحملون في قلوبهم حب وعشق الماص بهذه العبارة الدالة: “أوصيكم خيرا بالمغرب الفاسي”.
كان أمله أن تتوحد مكونات الماص، وهو على قيد الحياة، وأن يراجع القائمون على التسيير طرقهم وأساليبهم في الإدارة، فهل تتحقق هذه الوحدة وتهدى إليه بعد مماته؟.
رحم الله الحاج محمد بن زاكور وأسكنه فسيح الجنان وخالص العزاء لكل من رزئ فيه.
إنا لله وإنا إليه راجعون.