“سيكولوجية الإنسان المقهور”.. أو عندما يربت أعيان الانتخابات على أكتاف الكادحين

في إحدى أزقة المدينة القديمة، هذا المساء، يتجول أحد أعيان الانتخابات بالمدينة، رفقة فريق يبدو أنه اكترى أعضاؤه لكي يساعدوه في حملته للظفر بمقعد في غرفة التجارة والصناعة والخدمات. بطن منفتخ ومتدلي وجثة بدينة بالكاد تمشي لتوزع الأوراق وابتسامة مصطنعة حرص على أن لا تفارق محياه..

حرصت الجثة أن ترتدي من اللباس من قل ثمنه وخف وزنه، وأن تزيل عن معصم يدها اليسرى الساعة الذهبية التي اقتنتها بملايين السنتيمات، لكي لا تظهر لبعض الشبان من أبناء الكادحين. أما المسنون منهم وجل النساء، فهم يجهلون الفرق بين الساعات، ويعتقدون أن أحسنها علامة من المستحيل أن تتجاوز مائة درهم.

حرصت الجثة أيضا على أن تزيل لباس الماركات العالمية، وأن ترتدي لباسا صيفيا مقبولا، لن يجر عليه انتقادات بعض المتطفلين المتلصصين من نشطاء الفايسبوك، أو بعض خصومه السياسيين الذين يعرفون كيف يجيدون الضربات تحت الحزام.

لقد تعلمت الجثة كثيرا في عالم الانتخابات، وأصبحت بدورها ماكينة من ماكيناته. ومنذ أكثر من عقدين ـ وتعني بحساب السنوات منذ حوالي عشرين سنة ـ وهي دائمة الحضور في المجالس الانتدابية. تحت قبة البرلمان وفي المجلس الجماعي وفي غرفة الصناعة التقليدية وغرفة التجارة والصناعة والخدمات وغرفة الفلاحة ومجلس الجهة ومجلس العمالة.. كل المجالس مرت عليها، لكنها لم تشبع بعد، وقد تقلدت الكثير من المناصب الحساسة. وتمكنت بشكل جيد أن تبرع في حكامتها جيدا. لقد أجادت في الحكامة الجيدة. وتفننت في ذلك. وتحس براحة ضمير كبيرة، وتحاول جيدا أن تعود مرة أخرى للخدمة.

تصول وتجول في الأزقة.. وتحرص على أن تحيي الناس.. بعد غياب طويل. ولا تجد أي حرج في التأكيد على أن انشغالاتها الكثيرة بخدمتهم هي التي جعلتها تختفي عنهم طيلة سنوات هذه الولاية المنتهية. وطيلة سنوات الولايات السابقة. وهذا كان شعارها في كل حملة انتخابية.. ولا تجد أي حرج في ترديد مثل هذه العبارات.. والكادحون المتعبون يصدقونها.. خاصة عندما تربت على أكتافهم. وتسألهم عن أسمائهم ومهنهم..

في كل حملة تؤكد بأن القادم سيكون خيرا إن شاء الله. وبهذا تنال أصوات الكادحين بكثافة.

الجثة الضخمة حرصت هذا المساء على أن تربت بأكتاف العشرات من الكادحين المتعبين الذين يجرون الخيبات تلو الخيبات والتعاسة والتعب.. كما حرصت على أن تصافحهم بحرارة لكي يحسوا بالحب والحنان، وهم الذين لم يذوقوا مثل هذه المصافحة الساخنة منذ سنوات من قبل جثث ضخمة مثل هذه الجثة. وهي تحرص على فعل هذا في كل حملة انتخابية، لكي تحمسهم على المشاركة.. على التصويت.. على وضع العلامة على خانة رمز الحزب الذي ترشحت باسمه.

الجثة غيرت الحزب عشرات المرات، دون خجل أو وجل.. وهي تعتبر ذلك مسألة عادية.. لكنها في كل مرة تحرص على أن تلقن الكادحين معطيات دقيقة حول الرمز الجديد.. رموز كثيرة، أي نعم. لكن الجثة تنتقي الأحسن وتجيد في اختيار العبارات التي تجعل الكادحين لا ينسون الرمز. الكادحون ذاكرتهم ضعيفة جدا.. كما ذاكرة السمكة أو أقل.. لكنهم لا ينسون رمز الجثة.. وعندما يذهبون إلى الصندوق يضعون فوقها علامة.. يفعلون ذلك بكثافة لكي لا تسقط الجثة.. هذا واجب يقومون به.. لأن الجثة صافحتهم وربتت على كتفهم ذات مرور بزقاق الحي رفقة أعوانها.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة