عندما تُغيِّب الانتماءات الجغرافية مبدأ تكافؤ الفرص.. مترشحو كليات الطب يطالبون باعتماد الاستحقاق بدل الاعتبار المكاني

يعيش آباء وأولياء التلاميذ، هذه الأيام، موجة احتقان واستياء شديدين، بسبب مباراة الولوج إلى كلية الطب والصيدلة والأسنان، وما يتخللها من “هفوات” تتعلق أساسا بـ”تغييب” مبدأ تكافؤ الفرص.

وخلقت القضية جدلا واسعا وضجة كبرى بلغ صداها إلى البرلمان، حيث عمد برلمانيون إلى تحرير أسئلة كتابية، موجهة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، تحت إشراف رئيس مجلس النواب، يسائلونه من خلالها عن احترام مبدأ تكافؤ الفرص في المباراة، ويطالبون بتصحيح وتقويم ما جاءت به مذكرة 8 يونيو 2021، بضمان الولوج إلى كل كليات الطب عبر اعتماد الاستحقاق بالمباريات دون اعتبار لمكان الحصول على الباكالوريا.

وحسب المذكرة الوزارية “مثار الجدل”، فإن عملية التعيين في الشعب الثلاث لكليات الطب والصيدلة وطب الأسنان تعتمد على درجة الاستحقاق بناء على نتائج الاختبار الكتابي وترتيب اختيارات المترشح المعبر عنها أثناء تسجيل ترشيحه على البوابة الإلكترونية، وعدد المقاعد المتوفرة في كل تكوين ومؤسسة، وبهذه النقطة الأخيرة، فاض غضب شريحة عريضة من المجتمع المغربي، بسبب ارتباط درجة الاستحقاق بعدد المقاعد المتوفرة في كل تكوين، وباعتبار مكان اجتياز امتحان البكالوريا، خاصة في ظل تخصيص مباراة مشتركة لكل التكوينات، موحدة على الصعيد الوطني.

ويفهم من هذا أنه غير متاح أمام المترشح أن يلج كلية غير تلك التي اجتاز فيها المباراة، علما أن عدد المقاعد المتبارى حولها في كليات الطب الثماني على الصعيد الوطني يختلف من جهة إلى أخرى، بل ويتضاعف من الشمال إلى الجنوب عدة مرات، بحيث حظيت العاصمة الرباط ب560 مقعدا، تليها الدار البيضاء ب510، ثم مراكش ب420، فوجدة ب350، تليها مباشرة فاس ب340، طنجة ب220، أكادير 210، وأخيرا العيون متذيلة القائمة ب100 مقعد فقط.

وبالتالي، فإن المذكرة تجعل المعيار المحدد لعدد المترشحين المسموح لهم ولوج كلية الطب مرتبطا بعدد المقاعد المتبارى عنها، فقد يحدث أن يحصل تلميذ في طنجة على معدل 80/45 مثلا لكن يقصى فقط لأن طنجة لا يمكنها تجاوز 220 مترشحا، في حين أنه يمكن أن يلج كلية الطب بالبيضاء أو بالرباط مثلا لأن المقاعد المتوفرة بهما تضاعف عدد مقاعد كلية طنجة، إذن حظوظ المترشحين بهذه المدن هي أكبر، بل ومضاعفة بالنسبة للآخرين، الشيء الذي اعتبر “ضربا” في مبدأ تكافؤ الفرص.

في هذا السياق، أعلن برلمانيون عن رفضهم الباث والقاطع لما وصف بالخلل الإداري المعتمد على الإقصاء الموجه والمقصود بمعيار لا ذنب للمترشحات وللمترشحين فيه، ألا وهو عدد المقاعد المتوفر لكل مؤسسة، فالمقاعد المتوفرة لكلية الطب هي 2710 على الصعيد الوطني.

وقد علت مطالب تقول بضرورة جعل الحظوظ متكافئة أمام ال2710 الأوائل حسب الاستحقاق في المباراة التي اختير لها أن تكون موحدة على غرار السنة الماضية، التي شهدت الأمر نفسه بسبب الظروف الاستثنائية المرتبطة بتفشي وباء كوفيد19، وبالتالي فتح حق الاختيار بين كليات المملكة.

لكن، بموجب المذكرة فمن الممكن أن يتم إقصاء متفوق فقط لأنه اضطر مثلا أن يخوض الامتحان في مدينة العيون صاحبة أقل عدد من المقاعد، في حين يجتاز المباراة بشكل “محتشم” تلميذ آخر بالرباط، ويحظى بالولوج إلى كلية الطب، على الرغم من عدم تفوقه، وتدني مستواه بالمقارنة وتلميذ العيون، مما يجعل معدل ولوج كلية يختلف عن آخر بكلية أخرى، فقد ترتفع العتبة بالعيون، وتنخفض بالرباط، وهو ما تم اعتباره مسا بالأحقية على حساب الجغرافيا.

وورد في الأسئلة الكتابية الموجهة إلى الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، سؤال وجهه فريق الجرار بمجلس النواب، يقول: “على غرار السنة الماضية، قررت وزارتكم إجراء مباراة مشتركة للولوج إلى كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان برسم الموسم الجامعي 2021/2022، حيث تم الإعلان عن عدد المقاعد المخصصة للتكوينات الثلاثة، موزعة حسب مختلف الكليات المتواجدة عبر التراب الوطني”، قبل أن يتابع أنه في هذا السياق خلفت هذه الإجراءات استياء وقلقا في صفوف الطلبة المقبلين على اجتياز هذه المباراة الموحدة، خاصة على مستوى التوزيع الجغرافي لعدد المقاعد المخصصة لكل كلية على حدى، والتي يتم اعتماد التسجيل بها حسب الروافد المحددة في المذكرة رقم 175/010 بتاريخ 08 يونيو 2021. “مما يثير من جديد، حسب المصدر، مدى التزام وزارتكم بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين بنات وأبناء المغاربة الراغبين في الولوج إلى مهنة الطب. لذا، تضيف المراسلة، نسائلكم عن الإجراءات التي ستتخذونها من أجل ضمان الولوج إلى كليات الطب أمام جميع أبناء هذا الوطن بناء على الاستحقاق وتكافؤ الفرص بين الجميع؟”.

كما ساءلت المجموعة النيابية لحزب الكتاب الوزير حول الموضوع نفسه، موردة أن هذه المباريات ستجرى حتما في نفس اليوم، وبامتحان موحد. وهو ما يطرح، حسب المصدر ذاته، السؤال عن مدى تكافؤ الفرص بين بنات وأبناء المغاربة ممن يطمحون إلى الولوج إلى هذه الكليات، من منطلق تباين عدد المقاعد المفتوحة أمامهم حسب الجهات، والمعدل المطلوب للتباري حولها، والذي تتحكم فيه عناصر أخرى، الشيء الذي يرجح حظوظ طلبة جهة معينة على أخرى، على حد تعبيره.

فريق المصباح هو الآخر دخل على خط القضية، حيث ساءل الوزير، عن الإجراءات المزمع اتخاذها من أجل تحقيق العدالة في الولوج لكليات الطب جميعها وتمتيع الشباب المغربي من مبدأ تكافؤ الفرص، موردا أن أولوية الاختيار يجب أن تعطى أولا للترتيب الإجمالي بغض النظر عن مكان الحصول على الباكالوريا، لأنه، يضيف المصدر، لا يعقل أن جهات معينة يكون آخر معدل الولوج لكلياتها هو أكبر من معدلات الجامعات الأخرى، مما يجعل طلبة مغاربة يقصون رغم تفوقهم على أمثالهم بمناطق أخرى، حسب ما ورد في نص السؤال الكتابي.