هكذا توزع “إعاناتها” بجهة فاس مكناس.. البوقرعي: 20 مليارا دعم الدولة للأحزاب تنفقه “جود” الموالية لـ”الأحرار” على القفف فقط

مع اقتراب موعد الانتخابات المزمع تنظيمها خلال هذه السنة، تتزايد الطرق و”الحيل” و”الخطط” المعتمدة من قبل الأحزاب، ابتغاء الحصول على صوت له ما له من القوة في تغيير النتيجة لصالح حزب دون آخر.

ففي تداخل “رهيب” بين العمل الخيري والعمل السياسي، الذي يُفترض ألا تجمعهما صلة، يشهد المواطن المغربي اليوم عملية “مساومة” كبيرة، بين الحصول على ما يقتاته، وبين تقديم الولاء لحزب معين.

المساعدات الرمضانية التي توزع على شكل قفف تضم بضع مواد غذائية أساسية، لا تغني مستلمها من جوع لكن تعطي لمقدمها فرصة النجاح في انتخابات كثر “اللغط” عليها، منذ مدة، والكل يتأهب ويسلك ما ارتآه ملائما للفوز فيها. هذا الموضوع أثار موجة احتقان واسعة بين صفوف الأحزاب، بعد أن فجر عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الاصالة والمعاصرة، “قنبلة” قفف مؤسسة “جود” في وجه عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار.

موضوع الإحسان واستغلال المساعدات، خصوصا تلك المرتبطة بـ”جود” تلقفته جميع الأحزاب، تقريبا، لإبراز “عضلاتها” في مقابل التبخيس من حزب “الحمامة” وشيطنته، بعد انتشار تسجيلات حول استغلال المساعدات في “تعزيز” صفوف الحزب بالمنخرطين.

لكن، هل يمكن لمساعدات مؤسسة “جود” أن تؤثر على الخريطة السياسية بجهة فاس مكناس، وكيف توزع هذه القفف، المثيرة للجدل، في أقاليم الجهة؟

في الوقت الذي رفض فيه مسؤول جهوي بمؤسسة “جود” الجواب على أسئلة جريدة “الديار”، وتقديم أرقام حول عدد القفف الرمضانية التي تم توزيعها هذه السنة بجهة فاس مكناس، قدم مصدر مطلع الأرقام الخاصة بقفف “جود” التي تم توزيعها بالمنطقة بمناسبة شهر رمضان للسنة الماضية (2020)، والذي تزامن مع “الحجر الصحي الشامل” الذي فرضته الحكومة بسبب “جائحة كورونا”.

مصدر جريدة “الديار”، كشف أن أقاليم صفرو ومولاي يعقوب وإفران والحاجب حصلت على 2000 قفة رمضانية تقريبا لكل إقليم، فيما حصل إقليم تاونات على 3000 قفة، في الوقت الذي حصلت فيه عمالتا فاس ومكناس على أزيد من 6000 قفة تقريبا لكل واحدة منهما.

وشدد المصدر نفسه، في السياق ذاته، على أن إقليم بولمان حصل على حصة الأسد من المساعدات من طرف “جود”، دون أن يحدد عددها، مؤكدا أن محمد شوكي، المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار تكفل بتوزيعها بـ”طريقته” على أبناء إقليمه.

وعن المعايير التي يتم اعتمادها في توزيع “القفف على مناطق الجهة، صرح محدثنا، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن المساعدات يتم تفريقها على أقاليم جهة فاس مكناس حسب الحضور السياسي لحزب “الأحرار” في المناطق المعنية، موضحا أن مؤسسة “جود” تخصص حصصا للمنسقين الإقليمين والمستشارين.

“بل حتى برلمانيو الحزب يتم منحهم حصة مهمة ليوزعوها على أنصارهم في دوائرهم”، يقول المصدر ذاته، خاصا بالذكر رشيد الفايق، برلماني الأحرار بفاس، الذي تكلف، السنة الماضية، وفق تعبير المصدر نفسه، بتوزيع أزيد من 3000 قفة رمضانية.

قفة “الذل والعار”، كما يحلو للبعض تسميتها، لا يتجاوز ثمن الواحدة منها حوالي 200 درهم، توزع بطريقة تثير استغراب الجميع، ذلك أنها لا تكاد تصل إلى مستحقيها إلا عبر استغلالهم لمآرب سياسية، والأدهى من كل ذلك، حسب مصادر جريدة “الديار”، هو التصرف في هذه القفة من طرف بعض المستشارين لاستهداف أكبر عدد من الأسر و”الناخبين” المحتملين.

“في إحدى دوائر رباط الخير، إقليم صفرو، قام ممثل السكان في الجماعة، عن حزب أخنوش، خلال الأيام الماضية، بالتصرف في القفف التي توصل بها”، يقول (ح.م)، فاعل سياسي برباط الخير.

محدثنا أوضح، في تصريح لجريدة “الديار”، أن المستشار المذكور حصل على 42 قفة من مؤسسة جود، تضم بعض المواد الاستهلاكية، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، قبل أن يقوم بإعادة تقسيمها، في محاولة منه لاستهداف 80 أسرة على الأقل، فيما وصفه بـ”الفضيحة الأخلاقية”، قبل أن يصر على أن الغاية من هذه الإعانات تبقى سياسية بالدرجة الأولى، بعيدا عن شعارات “التضامن والدعم”، التي يحاول البعض ترويجها.

من جهته، قال مصدر مقرب من “جود” أن “الجمعيات تطلب القفف من المؤسسة، عبر تقديم لائحة تشمل الأسر المحتاجة لهذه المساعدات، وبذلك ف”جود” لا تربطها أية صلة مباشرة بالمستفيدين.. وإلى حين توصلهم بتلك القفف، تعمل الجمعية سالفة الذكر على الاتصال بالأرقام التي تحصل عليها من تلك الجمعيات، والخاصة بالمستفيدين، من أجل التأكد من توصلهم بتلك الإعانات”.

المصدر ذاته نفى، في تصريحات لجريدة “الديار”، اشتغال الجمعية لصالح أي حزب، ودليلها على ذلك، حسب قوله، أن “جمعية “جود” لا توزع بنفسها المساعدات، بل تتكفل جمعيات أخرى بذلك، بالإضافة إلى أنها توزع على جمعيات تابعة لأحزاب أخرى وليس فقط على المنتمين إلى حزب الأحرار”.

خالد البوقرعي، الكاتب الجهوي لحزب العدالة والتنمية، قال، في تعليق حول جدل القفف الرمضانية: “من الناحية المبدئية نسعى إلى أن نصل إلى ضمان الدولة كافة الحقوق لمواطنيها، بحيث لا تظل التفاوتات الاجتماعية قائمة في المجتمع، يجب أن يتم التوزيع العادل للثروة الوطنية، ولعل هذا الورش الكبير المتعلق بالحماية الاجتماعية هو خير جواب على كل هذا”.

وتابع البرلماني، عن دائرة الحاجب، في الإطار ذاته، أنه “يجب القضاء على الهشاشة، كي لا يظل المواطن في حاجة إلى تسول رغيف العيش، وبذلك يجب على الدولة والحكومة ضمان كرامة المواطن”.

وأكد البوقرعي، في تصريحه لجريدة “الديار” أنه “من العيب استغلال بعض المجموعات لتلك الهشاشة، فنحن المغاربة معروفون بالتضامن.. لكن التضامن الذي يحفظ ماء الوجه”، مشيرا إلى أن “هذه المساعدات المقدمة، يتم التشهير بها، وتقديمها بشكل لا يضمن كرامة متلقيها”. قبل أن يضيف أن “ما تم في عدد من المناطق هو فضيحة تتجلى في مقايضة رغيف العيش ببطاقة الانخراط” واصفا هذا الأمر بـ”الكارثة”، وداعيا السلطات المحلية إلى “فتح تحقيق في هذا الأمر”.

وشدد الكاتب الجهوي على أن “التنافس السياسي يجب أن يكون عبر البرامج، يتقدم بموجبه المترشحون للانتخابات، مُفسحين المجال للمواطنين لاختيار البرنامج الذي يريدونه”.

وكمعطى مهم، صرح المصدر نفسه أن “دعم الدولة، أي 20 مليارا التي تقدمها للأحزاب السياسية، قامت جمعية “جود” الموالية لحزب “الحمامة” باستعمالها في القفة فقط”.

وحال طلبنا حصر النقاش في بعده الجهوي، أي المتعلق بجهة فاس مكناس، ذكر البوقرعي أن “جمعية “جود” توزع على جميع الجهات والأقاليم في قالب واحد، مشددا على أنها توزع على المنسقين الإقليميين لحزب سياسي معين معروف، ومثلما يتم توزيع المساعدات في باقي الجهات والأقاليم يتم توزيعها بجهة فاس مكناس، أي بالاستناد إلى الطريقة المذكورة”، مستندا في طرحه هذا عبر استحضار تدوينة للبرلمانية السابقة عن حزب “الأحرار” نعيمة فرح التي، على حد قوله، تعترف من خلالها بأن المنسقين الإقليميين للتجمع الوطني للأحرار هم من يقومون بعملية التوزيع.

أما الحزب المعني بهذا الجدل، أي التجمع الوطني للأحرار، فقد خرج ببيان لمكتبه السياسي، في رد حول الجدل الذي رافق دخول الأحزاب على خط قفف “جود” واستغلالها سياسيا، حيث أبرز أن أطرافا سياسية تركت كل إكراهات البلاد و”انبرت” في محاولة بئيسة للضرب في قيم الإحسان الأصيلة التي جبل المغاربة عليها، على حد قوله.

وأشار المكتب السياسي، في البيان نفسه، إلى أن “الأحرار”، لا يسمح لأي كان بممارسة ما وصفه بالابتزاز والإرهاب الفكري أو أن يقدم له الدروس، موضحا أن تاريخ هذا الحزب ناصع البياض لعدم تسجيله قط تسخير الجانب الجمعوي لأهداف سياسية.

وعزز حزب “الحمامة” كل ما سبق بتشديده على أن “الوطن اليوم يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أفكار وبرامج سياسية طموحة تساير الأوراش الملكية الكبرى كورش الحماية الاجتماعية لتعزيز التمكين الاجتماعي للمواطنين، عوض البحث عن مبررات واهية لتبرير الفشل في القيام بواجب الاقتراح والترافع”.

يشار إلى أن محمد شوكي، المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار رفض الحديث لجريدة “الديار”، مشددا على أن لا علاقة له بالموضوع، فيما ظل هاتف محمد الحجيرة، الأمين الجهوي للأصالة والمعاصرة، الذي فجر “زعيمه” هذا الجدل، يرن دون جواب.