طارق جبريل يكتب: التلقيح الرحيم
لا حديث للناس هذه الأيام إلا عن لقاح كورونا، أينما أرخيت أذنيك إلا ووجدت حديثا مسترسلا عن اللقاح، ما إن ذاع وصول اللقاح حتى تحلب الناس أخباره وصاروا يلوكونها أينما وجدوا في المقاهي وأمام المجازر والكناتين والخضارين وداخل صالونات الحلاقة والقطارات، بل حتى عند بائعي السردين، الذين تخلوا عن الثرثرة في علو أمواج البحر وندرة الأسماك.
قيضت لي الأقدار أن أكون رفيقا لسيدة نبيلة من الأسرة حين حان الموعد المخصص لها لأخذ الجرعة الأولى من اللقاح بعد أن أرسلنا رقم بطاقتها عبر رسالة نصية إلى الرقم 1717 الذي خصصته السلطات لتحديد زمان ومكان اللقاح.
ما إن أمسكت أعيننا بأول خيوط الصباح حتى تحركنا نحن مركز اللقاح بالرباط، الأمانة تقتضي القول أن العملية برمتها كانت في منتهى التنظيم وباحترافية كبيرة وفيها الكثير من الاحترام لهؤلاء المسنين «البركة»، لم يتركوا أي فرصة لأي عين تبحث عن الثغرات وتبخيس اجتهادات الناس.
يستقبلك رجال القوات المساعدة في المدخل بكل ترحاب ويسلمونك رقما ويجلسونك في صالة مهيأة للتباعد الاجتماعي كما نصت عليه محاذير وزارة الصحة، ما إن يأتي دورك سواء أن كنت بمفردك أم رفقة أحد أفراد العائلة حتى يوجهونك إلى صالة تسجيل بياناتك الشخصية من قبل عون سلطة وأحد منسوبي وزارة الصحة، ثم يأتي إليك الطبيب المكلف ليسألك عن صحتك وإن كنت تستخدم أدوية باستمرار أو أن لديك مرضا مزمنا تتعالج منه ثم يقيسون لك الضغط، وبكلمات محتقنة بالتهذيب يسألونك إن كنت تحتاج «كروسة» لنقلك إلى الداخل أم أنك قادر على الحركة، وهل تحتاج لمرافقك كي تتخلص من الملابس، وبعد أن يتم تلقيحك يطلبون منك الانتظار للملاحظة ويأتون كل خمس دقائق للسؤال إن كنت تحس شيئا أو ألما أو أي شئ غير طبيعي، وبعد أن يتأكدوا أن لا شيء يقلق يسلمونك ورقة بتاريخ الجرعة الثانية ويتمنون لك يوما سعيدا.
لفت انتباهي أن بعض كبار السن أتوا فقط لمعرفة أين يوجد «سبيطار الحومة». إحدى السيدات سجل مقياس الضغط ارتفاعا ملحوظا فضحكت ابنتها وأخبرتهم بأنها تخاف من البدلة البيضاء للأطباء، فأجلسوها بين الذين يتم حقنهم باللقاح ريثما تتعود وراحوا يداعبونها «الحاجة الخوافة ديالنا» حتى اطمأنت وأخذت جرعتها.
إحدى المسنات أتت رفقة زوجها دون أن يكون لها الحق في التلقيح في نفس اليوم، أرادت أن تستقوي به لجذعها، أخبروها أن ذلك غير ممكن، وشت نظرتها بالكثير من القلق وهي تتابع زوجها يتحرك نحو صالة اللقاح، طمأنها بأنه سيكون معها في موعد جرعتها الأولى حتى يزيل الخوف الذي ترسب في صدرها، أحسست أن الحمية وصلت به أن يموت كي تطمئن فاحتضنها برمش أجفانه، لا بد أن حبا كبيرا جمع بينهما ولا زال.
إنا لله.. لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي هذه الرحمة التي تعامل بها منتسبو الأمن والأطر الصحية مع كبارنا «البركة».. شكرا لكم.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة