طارق جبريل يكتب: «عومااار» و«الضحاكات»
«المال والبنون زينة الحياة الدنيا».. هكذا خاطبني صديقنا «شعيبة» ونحن نتبادل تحية «قبضة اليد» في «ركن الفرح» في مقهى الحي.
كان قد تأخر عن موعده المعتاد فهاتفته فطمأنني بأنه يحل إشكالا ماليا عاجلا.
جلس كالمعتاد وأشعل سيجارته لكن نظرته وشت بالكثير من القلق الذي يحتويه، قال إن شقيقه «رهين الفيرمو»، هكذا يطلق على من يعمل موظفا ينتظر أجرته عند نهاية كل شهر، لديه إشكال في تسديد سومة الكراء بعد أن تأخرت الشركة التي يعمل بها بسبب صعوبات مالية تواجهها في دفع الرواتب، فكان أن استنجد به ريثما ينصلح الحال.
«وجدت مول الكراء عابس الوجه كقسوة سياف، استنهض كل ملامح الاشمئزاز حين رآني، فنظرت إلى شقيقي فوجدته أشبه بكنار وقع على فخذ مارد فكأن الدمع رابض عند أهدابه» قال «شعيبة»، ثم أضاف: «(عوومااار) با طارق تيحل كل شي.. راه عييت معاه يجي يخدم معايا مابغاش.. عزيز عليه التكرفيس.. راه الخدمة مع موالين الشكارة كتخليك رخيص»، قلت له مواسيا: كل الألم أن يكون للإنسان ثمن أصلا، ناهيك أن يكون بخسا.
أثنيت على صنيعه ومبادراته الدائمة تجاه أسرته. «هاداك راه ولد مي وبا ما يمكنش نخليه يغرق» هكذا كان رده وهو ينفث دخان سيجارته، ثم سألته عن سبب تسمية المال بـ«عوومااار»؟ قال إنه لا يعرف «حكايتها»، لكنه زادني من الأسماء لهذا المال اللعين ما جعل الأسئلة تتضخم لها الشفاه: «هاااانتا سي جبريل: عوومااار، وسخ الدنيا، اللعاقا، موكا، البنقا، الكرموما، الحبا، تاكا.. انتوما آش كتسميوه في السودان». قلت له إن أشهر اسم على الإطلاق هو «الضحاكات»، ضحك حتى غاصت عيناه في جفونه كقطار ابتلعه نفق عميق، لم أخبره ببقية الأسماء خشية أن يفقد الأوكسجين في رئتيه، إذ لا أدري ما هو السر في تسمية المال في ثقافتنا الشعبية السودانية بـ«الضحاكات، الكنجالات، القنزب، الفلة، الككس، التشادير» ..إلخ.
للمال سلطة متعبة، حين يتأخر تحويل الراتب الشهري تجد نفسك محاطا بالكثير من القنابلة القابلة للانفجار، «مول الكرا»، تكاليف مدارس الأبناء، «دفتر الطلق» أو ما نطلق عليه في السودان «دفتر الجرورة» أي أنك تضطر لـ«جر» الكثير من السلع حتى «يسهل الله»، فاتورة الكهرباء والماء، واللائحة تطول وتطول، قد تضطر إلى تغيير شوارع سيرك اليومي فقط لأن الدائنين يستخدمون نفس الطريق وعيونهم تطارد خطواتك فيتمدد الضيق على الضيق.
إنا لله.. يقول المثل المغربي القح: «اللي ما عندو فلوس كلامو مسوس».
(الأحداث المغربية)
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة