نبيل الريفي يكتب: تازة قبل غزة؟ أو حين تنقلب الشعارات على نفسها!

منذ 2006، خرج شعار “تازة قبل غزة” إلى العلن، لا باعتباره دعوة للتوازن بين قضايا الداخل والخارج، بل كصيغة تَفاضُل تُقايض المواقف وتُدخلها في ترتيب غير بريء. شعار لم يُولد أصلا في تازة ، بل أوجده الإنتهازيون صدفة ليشق طريقه في الفضاء الوطني، يُستعمل في كل مناسبة تتصاعد فيها موجات التضامن مع فلسطين، لا ليذكّر بتازة فعلاً، بل ليشكك أحيانًا في جدوى الانحياز الإنساني خارج الحدود ، مع إضافة توابل أخرى لمضمونه ، كالهوية و القومية الوطنية و تامغرابيت ..
المفارقة أن هذا الشعار، الذي يُروّج له من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، بل حتى خارج الوطن أحيانا ، لا يظهر حين تُهمل تازة أو تُغتال مشاريعها في صمت، بل يُستحضر فقط عندما تتجه الأنظار إلى غزة. كأنما مشكل التنمية لا يستحق الاحتجاج إلا إذا تزامن مع صوت آخر يُوجَّه إنسانيا للخارج!
والأدهى؟ أننا كتبنا، و كتب كثيرون، و لا زلنا نكتب بمداد الحزن و الأسى عن تازة قبل هذه الحرب الأخيرة: عن طرقها المتآكلة، عن التهميش المزمن، عن الغياب الصارخ للإرادة السياسية. وحاولنا ان نحارب الفساد فيها بأبسط الطرق و أتفهها و لم نسمع لأولئك الذين يرفعون الشعار اليوم أي صوت صادق يتحدث عن تازة بعمق ومسؤولية. فهل كانت تازة حقًا قبل غزة، أم فقط بعدها حين تقتضي الحاجة ترويض موجة التضامن؟
“تازة قبل غزة” لم يكن يوما شعارا محليا يعكس ألم التازيين نفسهم ، بل خطاب يطبخ تارة بشكل سياسي و تارة اخرى بشكل حقوقي و يُتداول على مستوى وطني، ويتحول في لحظات معينة إلى أداة لإقحام الاحتجاج في أخلاقيات التضامن، لا لإعادة ترتيب الأولويات، بل لإرباكها.
تازة تحتاج إلى عدالة مجالية، وغزة تحتاج إلى عدالة إنسانية. والتفكير في أحدهما لا ينبغي أن يكون نفياً للآخر. من يُصرّ على تسويق التنافي بين الحقين، إنما يختزل قضايا الشعوب في لعبة مزايدة ظرفية.
لذلك، لا حاجة لنا بشعارات تنفجر عند كل عدوان على غزة، وتصمت عند كل اجتياح إداري لتازة. بل نحن بحاجة إلى وعي يُدرك أن الحق لا يُجزأ، وأن الدفاع عن الكرامة لا يخضع لترتيب زمني أو جغرافي .
و لنذكر من يزايد بالوطنية ان تازة لا طائرات تقصفها و لا صواريخ تفتك بأهلها و من يُقايض التضامن بالتنمية، يخسر الإثنين معًا. ومن يُجرد تازة من حقها في الترافع الصادق، ليجعلها مجرد حجة ضد غزة، فهو لا ينتصر لا لتازة ولا لفلسطين، بل لمعادلة ضيقة تسيء إلى القضيتين معًا.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة