يونس وعمر يكتب: مشكلة الوطن أننا نسير بسرعتين..
في وقت يسعى فيه جيل من الشباب القادم من “الاعماق” إلى الهرب من “وطنه”، ولو كلفه ذلك حياته.. تصدر عدد من التقارير عن “جودة شبكة الطرق السيارة بالمغرب” أو عن تموْقع المغرب على مؤشر doing business وسط تطبيل لا ينتهي.. في مفارقة تحتاج تحليلا عميقا لنخب احترفت الصمت منذ زمن!
تخيل معي رجلا يمتلك بيتا فخما تتقدمه حديقة ساحرة بأزهارها.. رجلا بنى بيته من لا شيء ، محدثا طفرة كبرى على خدماته المجهزة بآخر التقنيات.. من الابواب الاوتوماتيكية وحتى الطاقة النظيفة القادمة من الحديقة والسطح والشرفات..
لكن.. للرجل نفسه أبناء لا يعيشون في تلك الغرف الفاخرة، بقدر ما يقبعون على هامش البيت في غرف تفتقر لأدنى وسائل العيش الكريم!
أطفال لا يصرف على تعليمهم ولا على دوائهم اذا ما اصابهم مرض ما..
تخيل وحسب !
وقل لي.. عماذا تختلف هكذا لوحة كئيبة عن سياسات المغرب في السنوات الاخيرة!
نعم تقدم المغرب في عدد من المجالات محدثًا طفرة كبرى على مستوى البنيات التحتية في العقود الأخيرة.. حتى اصبحنا قوة صاعدة يحسب لها.. لكن، هل استفاد ابناء المغرب الذين يعيشون على الهامش؟
نعم أصبحنا أكبر مصدر للسيارات نحو أروبا وتقدمنا على مؤشر doing business العالمي..
نعم أصبح الحد الادنى للأجور بالمغرب الاعلى افريقيا بل وأكبر من بعض دول شرق أروبا..
لكن أسعار الدواء المنتج في المغرب اعلى من مثيلاتها حتى في بعض الدول الأروربية..أسعار التطبيب في القطاع الخاص مهولة وسط تدن غير مسبوق للخدمات الصحية المجانية!
نعم.. لكن تكلفة البنزين هي الأغلى أفريقيا مما يرفع نسبة التضخم بشكل اكبر..عبر الرفع من تكلفة اللوجستيك ونقل البضائع ما بين المنتج والمستهلك!
نعم.. لكن، بمنظومات مراقبة عاجزة عن كبح جماح اقتصاد الريع الذي يلهب الأسعار ويفضح تآلب باطرونات البنزين؟
مشكلة الوطن أننا نسير بسرعتين..
سرعة TGV والمناطق الصناعية الكبرى على محاور معينة.. فيما تعيش ساكنة الهوامش والجبل في ظروف لا تختلف كثيرا عن القرون الماضية..
حيث تموت ساكنة طاطا غرقا..
حيث يموت في زلزال الحوز المواطنون الاكثر فقرا؛ وتهدم المنازل الطينية التي لا تمتلك طرقا تربطها بمحور المغرب السريع!
ننظم انتخابات حقيقية، لكن بزعماء من ورق!
يعجزون عن أخذ صلاحياتهم التي منحهم إياها دستور ما بعد 2011 باستقلالية وبراغماتية..
انتخابات نصوت فيها نعم.. لكن بمواطنين فقراء يسهل خضوعهم لسلطة المال.. سواء كانوا في موقع الناخب او المنتخب !
نعم نحن قادرون -دستوريا- على التعبير والانتقاد مقارنة بعقود خلت.. لكننا لا نملك سلطة رابعة (الصحافة) حقيقية ولا معارضين حقيقيين قادرين على التأطير والتأثير لخلق التوازن..
يزداد الشرخ سنة بعد أخرى بين مغرب نافع ومغرب عميق .. شرخ يأبى “التضخم” و”الجفاف” إلا ان يجعلا منه هوة تستدعي التفكير نعم.. التحليل اكيد.. لكنها تستدعي قبل ذلك ان نتوقف عن التطبيل..
فالأمور هنا لا تبشر بالخير!
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة