إيمان الفناسي تكتب:”تكميم الأفواه”.. وصفة وهبي الفاشلة لـ”خنق” مواقع التواصل

في الثامن والعشرين من شهر أبريل عام 2020 غرد عبد اللطيف وهبي، المعارض آنذاك ووزير العدل حاليا، منتقدا قانون 2220 والذي سماه يومها بقانون تكميم الأفواه ، وهبي قال حين كان معارضا أن ذلك القانون مرفوض حقوقيا ويحد من حرية المغاربة. وكان رواد مواقع التواصل قد شنوا حملة واسعة ضد مشروع قانون يسمح بمتابعة نشطاء مواقع التواصل بسبب دعوتهم لمقاطعة منتوجات أو رفض بعض الزيادات.

بدا واضحا يومها أن جهات تضررت من حملة المقاطعة التي انطلقت من مواقع التواصل ومست شركات بعينها لها امتدادات داخل دوائر النفوذ وصناعة القرار تسعى لوضع حد لأي حراك فايسبوكي مستقبلي يستهدف مصالحها ،كما ظهر جليا أن خارطة النخب المؤثرة في المجتمع تمر بمرحلة إعادة تشكيل على نحو غير مألوف، لقد تراجعت الأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام التقليدية إلى الخلف وأفسحت مجالا واسعا لنخب جديدة أعمق تأثيرا وغير خاضعة بالمرة لقواعد صناعة النخب المتعارف عليها.

فصورة أو تدوينة أو هاشتاغ أو فيديو قد يطلقه حساب معروف أو غير معروف قد يتحول إلى زوبعة حقيقية لا تبقي ولا تذر ووسيط التواصل مع الجمهور هنا وسيط لا يخضع لتأثير الدولة مطلقا كيف ستتواصل الداخلية مع مارك أو إيلون ماسك لحذف تدوينة أو صورة ؟ من هنا ظهرت الحاجة لسن قانون يعيد الإعلام لدائرة السيطرة الرسمية وقد اختارت الجهات المتضررة من المقاطعة فترة الحجر زمن كورونا لتمرير القانون لكن ردة الفعل التي أبداها المغاربة الذين لم يكن لديهم حينها ما يشغلهم عن حواسيبهم وهواتفهم الذكية أجهضت الفكرة.

لم يقبل المغاربة أن تجهز الدولة على متنفسهم الوحيد الذي ينفسون فيه عن غيظهم، لكن الوضع تغير بعد رفع الحجر، وانصراف الناس إلى مشاغل أخرى وشعور الفرح العارم الذي اعتراهم بعد فوز منتخبهم المحبوب.

الحال اليوم غير حال الأمس ، من كان همه الفايسبوك صارت لديه هموم أخرى ومن كان ضيق الصدر بسبب الحجر صار أقدر على تقبل ضغوط لم يكن قادرا على تقبلها كل هذه الحسابات كانت ذكية إلى حد ما وحتى تغيير القانون ذاته ومحاولة ربطه بالتشهير محاولة موفقة ربما مع أن المستهدف في القانونين معا هو جيل وسائط التواصل الذي لا يخضع لأي رقابة من أي نوع غير أن اختيار وهبي للدعاية لقانون تكميم الأفواه الجديد اختيار غير سليم البتة.

المغاربة بذاكرة لا تنسى مطلقا ولعل كثيرين منهم يرددون عبارة موخيكا “إن السلطة لا تغير الناس بل تكشف أسوأ ما فيهم”. ثم إن الحجر على الأفكار والمواقف لم يعد متاحا في الظروف الراهنة لعدة اعتبارات أهمها أن الناشرين والمدونين واليوتبرز والمؤثرين لا يمكن حصرهم في جغرافيا محددة فحتى وإن حجرت على آراء المغاربة من طنجة إلى الكويرة فإنك لا تتجاوز حد خلق مناخ موبوء تنعدم فيه حرية الرأي لكنك بالمقابل تفتح الباب مشرعا لمؤثرين من خارج المغرب ليشوهوا صورته ويفتروا عليك الأكاذيب إن شاؤوا وهؤلاء لا تملك لجم أفواههم بالمرة ولا حيلة لك أمام حملاتهم الدعائية إلا بتعزيز حرية التعبير في الداخل فهي صمام الأمان الوحيد والضامن السليم لصناعة رأي رصين لا شذوذ فيه ولا تطرف.

وأخيرا لا بد من لفت الانتباه إلى أمر في غاية الأهمية وهو أن عقوبة التشهير منصوص عليها وعلى أركانها في القانون الجنائي المغربي ومن المستحيل إقناع المغاربة أن القانون الجديد إنما يستهدف المتطاولين على خصوصيات الناس وأعراضهم، فالغاية خنق فضاء التواصل تماما مثلما جرى خنق المشهد الإعلامي الذي أفرغ من محتواه النبيل وأغرق بكل أشكال الميوعة والرداءة.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة