زكرياء التلمساني يكتب: دروس من قصة .. والقصة مقاطعة
لقد كانت بدايات القصة مع دخول علي بابا الإيطالي_الفرنسي واللصيلصون إلى مدينة فاس من بابها الخلفي. أشهر سيفه وقال أنه جاء من أجل ذكاء لا مثيل له، يغير من خلاله وجه المدينة بيد من عفريت. لكن ولسوء حظه، فعلي بابا هذا لم تكن له زوجة لتحميه أمام غضب الساكنة، كما هو معروف في القصة الأصلية. ففر هاربا تاركا وراءه مخزن شركة موصود.. شركة أبواب مكاتبها مغلقة، مستخدمون بدون أجور ولا رواتب ومجلس جماعي في حيرة من أمره.
نقترح في هذه الورقة أن نستنبط بعضا من دروس القصة الملحمية، قصة المقاطعة، كونها حدثا استثنائيا غير مسبوق. حيث نريد من هذه الورقة أن نستحضر حجم الوعي الجمعي الذي أثبتته ساكنة مدينة فاس في مقاطعتها لشركة فاس باركينغ. أما بالنسبة لعنوانها، فإن دلالة الدروس لا ترتبط بأي شكل من أشكال الأستاذية، بل تستوحى من روح الشهادة التاريخية ليس إلا.
لم يكن خيار المقاطعة مجرد اختيار، بل تعداه إلى أمل في تغيير اجتماعي ممكن. ذلك أننا نقصد بالتغيير الاجتماعي هنا إسقاط صفقة كانت ستجني ضررا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا للساكنة. كما يمكن قياس درجة هذا التغيير الاجتماعي عن طريق مقارنة مادية بين حالة حضور الشركة وغيابها، بين حجم المعاملات التجارية وكذا أرباح الشركة في حالة احتلالها للملك العام وانسحابها وهي مثقلة بالخسائر.
وتأتي حملة المقاطعة في سياق جد حساس من حيث الهشاشة الاقتصادية في صفوف المواطنين جراء تداعيات أزمة كورونا، مما أدى بساكنة مدينة فاس إلى العيش تحت وطأة الاحتقان من جائحة كورونا المعولمة إلى جائحة فشل التسيير الجماعي.
بعدما اختار شباب الحركة خلق مجموعة فايسبوكية تضم أكبر عدد ممكن من المواطنات والمواطنين، كان تعليق السلطة المنتخبة على هذه الخطوة متمثل في أن هاته الحركة مجرد حركة افتراضية لا يمكن لها أن تغير من الواقع شيئا. بيد أن الأعمق من ذلك، هو أن الحركة التي استهين بها شكلت عملية تواصلية ناجعة استهدفت شرائح عريضة من المجتمع الفاسي قصد إقحامه في النقاش العمومي حول الصفقة وجعله، بالتالي، فاعلا وذا قرار. ومن هذا المنطلق استطاع المواطنون المقاطعون للشركة المعنية، من خلال التفاعل في المجموعة وتجسيد خطوات ميدانية أخرى، أن يوصلوا أصواتهم بقوة ويفرضوا إرادتهم عن طريق وسائل العولمة البديلة التي تستفيد إيجابا من مواقع التواصل الاجتماعي بما يخدم الصالح العام.
مع الطبيعة السلمية لنضالاتها، كشفت الحركة عن زخم إبداعي ميزها وألبسها ثياب الانفراد. و إذ عبرت عن إرادة شعبية رافضة للصفقة، أوضحت أيضا للمتتبع أشكال تعاطي المواطن مع هذا النمط الاحتجاجي الجديد الناعم.
ومن جانبه، فقد أعجب المواطن بحملة تثبيت الملصقات على السيارات، وبحملة التضامن الدولية مع مضمون الحركة، وكذا بحملة تضامن أخرى وطنية من لدن الفنانين والممثلين والكتاب والسياسيين والنقابيين والحقوقيين وشخصيات عمومية مؤثرة، وأعجبوا أيضا بكتابة بيان مترجم لإحدى عشرة لغة، وبنشر صورهم مرفوقة بشارات المقاطعة، ونشر صور بالونات وارتداء كمامات مكتوب عليها اسم الحركة، وغيرها من التكتيكات الإبداعية الهادفة إلى إدماج الساكنة.. كل الساكنة في نشاط الحركة المدني.
إن للحركات الاحتجاجية المدنية سلاح لا ينهزم، سلاح الاستمرارية. ومن أجله يشترط أن تتوفر على تنوع كبير على مستوى قياداتها، روح جماعية عالية، درجة مائزة من استيعاب كل الآراء والأطروحات المتباينة، خطط محكمة، توزيع وإعادة توزيع سلس للسلطة في إطار جو ديمقراطي داخلي.
كما شهدت حركة المقاطعة هذه، في مراحل معينة، إحساسا بالعفوية الإيجابية يضمن للحركة وجود هيكل تنظيمي غير هرمي وغير ممركز. مما أدى في النتيجة إلى استمرار فعل المقاطعة إلى حدود كتابة هذه الأسطر.
في الأخير، وعلى مشارف إسدال ستار هذه القصة بانتصار تاريخي للساكنة، يفتح الآن بين أوساط المواطنات والمواطنين ومختلف فعاليات القطاع نقاش عمومي هادئ، يضع في صلبه مسألة إيجاد صيغة ملائمة لتنظيم مرفق مواقف السيارات بشكل حضاري. وإذ أسست الحركة لفعل المعارضة من الخارج، أي من خارج المؤسسات، فقد عملت جديا على تنزيل عملي لمبدأ المقاربة التشاركية في تدبير الشأن العام المحلي، وذلك ما يؤكده طابعها المدني. ومع فتح هذا النقاش العمومي، يطرح سؤال له من الراهنية ما يجعله ملحا، ما البديل؟
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة