هشام ونزار يكتب: الشرطة الإدارية وحفظ النظام الصحي من تفشي فيروس “كوفيد – 19”

في إطار التدابير الوقائية و الاحترازية المتخذة على المستوى الوطني للحد من انتشار فيروس ” كوفيد-  19 “، وحرصا منها على  سلامة وصحة المواطنات والمواطنين انخرطت الجماعات الترابية إلى جانب السلطات العمومية ( البرلمان والحكومة والسلطة القضائية ) في الجهود الوطنية المبذولة للحد من  انتشار هذا الوباء، وذلك بجميع الوسائل القانونية المتاحة أو الممكنة، طبقا للفصل 21 من الدستور الذي استندت عليه الحكومة لإصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 في 23 مارس 2020 بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.

وتعد الشرطة الإدارية الجماعية أو الضبط الإداري الجماعي إحدى أهم الوسائل القانونية المهمة  التي يجب على رئيس المجلس الجماعي تفعيلها بشكل جيد في هذا الظرف للحد من انتشار فيروس  “كوفيد-  19″، وذلك باتخاذ جميع الإجراءات الوقائية و الردعية، لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم. و تروم هذه التدابير تحقيق أهداف ترتبط بالنظام العام بمجالاته المختلفة وعلى رأسها المجال الصحي.

وبما أن الجماعة هي الوحدة الترابية التي تختص بقضايا القرب مقارنة بالمستويين الجهوي والإقليمي، من المشروع التساؤل عن الصلاحيات التي تؤول ممارستها إلى رئيس المجلس الجماعي  والتي يمكنه من خلالها المساهمة في مواجهة فيروس “كوفيد-  19” والحد منه، مع ما يترتب عن ذلك من وقف العدوى و حماية سلامة الأفراد.

أولا: صلاحيات متنوعة لرئيس المجلس الجماعي في مجال حفظ الصحة العامة        

أناط المشرع برئيس المجلس الجماعي ضمن المادة 100 من القانون التنظيمي جملة من صلاحيات الشرطة الإدارية في ميداني الوقاية الصحية والنظافة، خصوصا:

  • السهر على احترام شروط نظافة المساكن و الطرق و تطهير قنوات الصرف الصحي و زجر إيداع النفايات بالوسط السكني و التخلص منها، وفي هذا الإطار تم شن حملات لتطهير و تعقيم أبواب المساكن والطرقات ومختلف الفضاءات والمرافق الإدارية.
  • تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها، حيث تم إلغاء الأسواق الأسبوعية المتواجدة بالجماعة كقرار وقائي من طرف السلطات المعنية حفاظا على سلامة الأفراد.
  • مراقبة محلات بيع العقاقير والبقالة ومحلات الحلاقة وبيع العطور، وبصورة عامة كل الأماكن التي يمكن أن تصنع أو تخزن أو تباع فيها مواد خطيرة، وكإجراء احترازي تم تحديد مواعيد فتح متاجر بيع البقالة، وإغلاق جميع محالات الحلاقة بتعليمات الجهات الرسمية المختصة، المتعلقة بالإجراءات الوقائية والاحترازية للتصدي للوباء.
  • السهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات والمرافق المفتوحة للعموم، حيث ثم إغلاق جميع مرافق الجماعة الرياضية والثقافية، وتأجيل جميع المنافسات والأنشطة المختلفة الأخرى.
  • المساهمة في مراقبة جودة المواد الغذائية والمشروبات والتوابل المعروضة للبيع أو الاستهلاك العمومي، وذلك باتخاذ كل القرارات المناسبة دون تجاوز لقرارات لجنة اليقظة.
  • السهر على نظافة مجاري المياه و الماء الصالح للشرب و ضمان حماية و مراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك العمومي ومياه السباحة، خصوصا في هذه الحالة التي تتطلب استهلاك كميات كبيرة من المياه في عملية النظافة.
  • اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، وذلك طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها، وكتدبير رئيسي تم تطهير جميع المؤسسات و دور الإيواء ومحطات سيارات الأجرة وأسواق القرب التي يرتادها المواطنون بكيفية منتظمة وحثيثة.
  • اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الحريق و الآفات و الفيضانات و جميع الكوارث العمومية الأخرى. حيث ثم إشهار مختلف التعليمات الوقائية بتراب الجماعات وعبر المواقع الإلكترونية التابعة لها، تقديم دعم لوجستيكي لبعض الجمعيات التي تطوعت لتحسيس الرأي العام بالإجراءات الاحترازية الواجب إتباعها للحد من انتشار الوباء.
  • ممارسة شرطة الجنائز والمقابر واتخاذ الإجراءات اللازمة المستعجلة لدفن الأشخاص المتوفين بشكل اللائق، وتنظيم المرفق العمومي لنقل الأموات ومراقبة عملية الدفن. حيث يمكن لرئاسة المجلس في مثل هذه الظروف أن تتولى عملية نقلهم ودفنهم، ويمكن لمكتب حفظ الصحة الإشراف على هذا الأمر بتفويض من الرئيس تفاديا لعدم انتشار الوباء بين الأشخاص.

وبالموازاة مع ذلك، وبغض النظر عن صفته كعضو في لجنة اليقظة الساهرة على ضمان احترام تدابير الطوارئ الصحية بالجماعة تحت إشراف عامل الإقليم، منح المشرع لرئيس المجلس الجماعي صلاحيات مهمة مرتبطة بحفظ النظام العام الصحي في إطار ممارسته لمهام الشرطة الإدارية. ويبقى التساؤل عما إذا كان الرئيس يتوفر على الوسائل التي تسمح له بتنفيذ هذه القرارات.

ثانيا: سلطات محدودة لرئيس المجلس الجماعي في تنفيذ قراراته

رغم أهمية قائمة الصلاحيات التي أسندها المشرع إلى رئيس الجماعة والتي من شأنها المساهمة في حفظ النظام العام الصحي، خصوصا خلال فترة الطوارئ الصحية، تقوم الإدارة الترابية باتخاذ مجموعة من التدابير من أجل التدخل الفوري والعاجل لحماية سلامة الأشخاص وضمان سلامتهم. فالرئيس لا يتوفر على قوة عمومية جماعية لتنفيذ قرارات الشرطة الإدارية وفرض احترامها.

ويمكن في هذا الإطار الإدلاء بملاحظتين أساسيتين:

أولا، ينبغي التأكيد على أن المشرع نص في المادة 100 من القانون التنظيمي على أنه: ” (…) يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة (…)، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع، ويضطلع على الخصوص بالصلاحيات التالية : ( الصلاحيات المشارة إليها أعلاه).

في مقابل ذلك، تنص المادة 108 من القانون التنظيمي على أنه: ” يجوز للرئيس أن يطلب، عند الاقتضاء، من عامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله، العمل على استخدام القوة العمومية طبقا للتشريع المعمول به، قصد ضمان احترام قراراته ومقررات المجلس”.

يبدو على أنه بالرغم من كون مقتضيات القانون التنظيمي صريحة فيما يخص امتلاك الجماعة لسلطة تنفيذ مقرراتها عن طريق رئيس مجلسها، فإن المادة 108 من نفس القانون، والتي هي نفسها من حيث المضمون في الميثاق الجماعي السابق،  تذهب في اتجاه معاكس تماما لما هو منصوص عليه في المادة 100. فالقوة العمومية تظل بيد ممثل الدولة الذي وحده، يمكن أن يحركها.

تانيا، تتعين الإشارة أيضا، إلى أن المادة 3 من القانون التنظيمي حول الجماعات، تنص على أنه في إطار مبدأ التدبير الحر، تمارس الجماعة سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها. وإذا كان رئيس المجلس الجماعي هو الذي يقوم بتنفيذ هذه المقررات، فإنه يتخذ بدوره عددا من القرارات في إطار ممارسته للصلاحيات التي يملكها في إطار الشرطة الإدارية في ميداني الوقاية الصحية والنظافة، وهي إما قرارات تنظيمية أو فردية تتجلى في الإذن والأمر أو المنع. يتضح أن المادة 108 من القانون التنظيمي حول الجماعات تفرغ مقتضيات المادة 3 من محتواها.

وبالتالي من المستحب إعادة النظر في مضمون المادة 108 من القانون التنظيمي حول الجماعات، حتى تكون منسجمة مع باقي المقتضيات الأخرى. فالسياق الدستوري يفرض الارتقاء بالجماعة إلى سلطة عامة حقيقية للتعاطي والتعامل مع مثل هذه الأحداث، عوض الإبقاء عليها كإدارة فقط مجردة من إحدى مميزات السلطة العامة والتي هي التوفر على الوسائل التي تسمح لها بتنفيذ قراراتها.

بغض النظر عما سبق تبقى مسؤولية حفظ الصحة العامة في هذا الظرف الخاص مسؤولية الجميع، فهي ليست من مسؤولية الجماعة لوحدها أو الإدارة الترابية، وإنما جميع مكونات المجتمع من أفراد ومؤسسات، فالظرفية الحالية تقتضي التضامن والتكامل والتنسيق الدائم مع السلطات المحلية وتحث إشرافها، استنادا إلى أحكام المادة الثالثة من مرسوم حالة الطوارئ الصحية التي تنص على أنه: ” (…) يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم (…) جميع التدابير التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي (…) أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية “.