جواد شفيق يكتب: كورونا والسياحة بفاس.. هلوسات “نائب” أمة
عبر التاريخ اكتسبت فاس سمعة vocation سياحية لا تضاهيها فيها سوى أعرق المدن عبر العالم، وهي على أية حال ليست كثيرة.
وقد ظل النشاط السياحي لفاس وبفاس، بكل روافده وأدرعه ودوره الاقتصادي والاجتماعي والإشعاعي…أحد المحركات Moteurs والروافع Leviers الأساسية للدورة الاقتصادية والإنتاجية لفاس.
وقد كان لتراجع النشاط الصناعي بفاس وما يرتبط به من مهن وخدمات، “الفضل” في أن يتبوأ الاقتصاد السياحي مقدمة القطاعات الاقتصادية للمدينة.
ولذلك كان من الطبيعي أن تتشارك السلطات العمومية والفاعلون السياحيون القطاعيون والمستثمرون (عبر هيئاتهم وجمعياتهم الشرعية) في وضع وتفعيل برامج مندمجة وأفقية ومستدامة للحفاظ على ما تراكم وتطويره عبر حسن الترويج وجودة المرافق والخدمات.. غايتهم في ذلك: مزيد من الإشعاع الداخلي والخارجي لفاس، مزيد من الجذب والاستقطاب، مزيد من اقتصاد السياحة كخيار استراتيجي للمدينة بالنظر لما تتوفر عليه من مؤهلات وما توفره من فرص وإمكانيات، وبالنظر للدور الاجتماعي المتزايد لهذا الاقتصاد السياحي.
قرويين فاس، وعدوتيها، وفنادقها وجوامعها ورياضاتها ومدارسها وأبوابها وأسوارها وأبراجها وأعلامها وحماماتها، وصاباتها وعراقتها…هي علامات فاس المميزة التي أسبغت على المدينة طابعها المميز من حيث هي عاصمة روحية وعلمية للمملكة، وبهذا الطابع دمغت سمعتها السياحية..
وقد كان حصيفا وذكيا أن يقود ويرعى جلالة الملك شخصيا برنامجا لتأهيل مدارات وبنايات ومآثر المدينة العتيقة لفاس، حفاظا على هذا التراث الحضاري من الضياع، وتأهيلا له ليلعب دوره السياحي، الإشعاعي والاقتصادي والاجتماعي.
لقد أكد الحرص والتتبع الملكي لمجريات هذا المشروع الكبير الذي حظيت به المدينة العتيقة لفاس، والذي أنجزت منه أشواط معتبرة بإبداع مغربي أصيل، بأن السياحة الروحية والتاريخية ستظل إحدى ركائز النشاط الاقتصادي لفاس.
وحري بكل السلطات والإدارات والقطاعات والمسؤولين والمنتخبين ومختلف الفاعلين بأن يعوا هذا الأمر/الاختيار جيدا، ويعملوا لأجله.
على المستويين الوطني والعالمي يعتبر القطاع السياحي أحد أكبر القطاعات تضررا من الآثار المدمرة لجائحة كورونا.
لقد حولت فترة الحجر الصحي الفنادق والمطاعم والمآثر والمسارح والمدارات السياحية والمطارات والمتاحف ودور العرض والحفلات… إلى أماكن مهجورة… وكان لذلك فادح الأثر اقتصاديا واجتماعيا على كل مكونات النسيج السياحي.
لم تسلم فاس من كساد كورونا، كما أخواتها مراكش وأكادير وطنجة والداخلة والمضيق والفنيدق ومرزوكة وورزازات والصويرة وشفشاون وإفران….
و حتى وإن كانت الدولة قد استمرت في صرف تعويض مادي رمزي لمستخدمي القطاع المصرح بهم إلى غاية نهاية السنة، فقد كان طبيعيا بالنسبة للمستثمرين الفعليين بالقطاع السياحي/ المتضررين أكثر من جراء ديمومة التزاماتهم وتحملاتهم واستمرار هجر أو إغلاق مؤسساتهم، أو كساد إنتاجهم وتجارتهم وخدماتهم،… كان طبيعيا منذ الشروع في الرفع التدريجي للحجر الصحي، أن يهب هؤلاء، عبر جمعياتهم وهيئاتهم ومجالسهم، وبتعاون وتشاور مع السلطات الوصية السياحية والإدارية والأمنية والصحية، لإطلاق ديناميات للترويج والتنشيط السياحي بإمكانها أن تضخ حرارة جديدة في أسلاك ومفاصل وشرايين النشاط السياحي… حتى لا يصيبه الشلل التام.
ضمن هذه الرؤية، شهدت مدينة فاس في الأيام القليلة السابقة زيارة فنان مغربي شاب ذو شهرة كبيرة (وهو بحكم الشرع والقانون بريء إلى أن تثبت إدانته). زيارة كانت فرصة ليدعوه شباب ونساء من معجبين ومتابعين، وفاعلون ومسؤولون سياحيون عبر تنظيماتهم ومجلسهم الجهوي (الذي له كاختصاص مركزي التعريف والترويج والإشعاع) للمساهمة بصوته وصورته وجمهوره ومتابعيه في حملة الترويج لفاس كوجهة سياحية لتسترجع وهججها وجاذبيتها وحيويتها.
قبل الفنان الشاب بأريحية الوطني المتضامن، وبروح الفنان المرهفة أن يكون “سفيرا” للسياحة الفاسية…
وانتهى الأمر جميلا…كما ابتدأ كذلك.
ولكن الذي وقع لم يكن في الحسبان..
ولم يخطر أبدا على بال!!
وكان للقبح وجهة نظر؟؟
وعوض أن ينظر نائب الأمة وخليفة عمدة فاس يا حسرة، المفروض أنه الأدرى بندوب وجراح كورونا على جسد الأمة، وحاجة الأمة لأن تتعافى أو تشرع في ذلك على الاقل.. عوض أن ينظر إلى نصف الكأس الممتلئ ويثمن زيارة الفنان الشاب وما قد تجنيه فاس من وراءها..
فقد ذهب صاحبنا إلى منصة البرلمان وأمام الوزيرة والرأي العام لـ” يحرث” هذه المبادرة “حرثا”… ضاربا أسداس في أخماس وهو يتهجم بفضاضة على الفنان بتلميحات وقحة، وعلى من استقبله أو حتى أخذ صورة معه، وطاعنا في شرعية مؤسسة ينظمها القانون وتشتغل وفقا للقانون وليس له لا اختصاص ولا أهلية النظر والبث في شرعيتها (المجلس الجهوي للسياحة)، ومتهما مؤسسات أخرى (الوزارة والمكتب الوطني للسياحة) بتمويل أنشطة (لا تعجب سيادته).
لقد كان مخزيا ومثيرا للاشمئزاز أن يتصدى النائب الأول لعمدة فاس وأحد نوابها بالبرلمان، بالعدوان والبهتان لمبادرة بسيطة كانت بحسن نية ولا تبغي غير الخير للمدينة..
كما كان معيبا جدا، أن يترك كل انشغالاته ومسؤولياته لينبري مسفها ومتفها مبادرة نبيلة.. كان حري به أن يأتي بمثلها أو أحسن منها…وأقله أن يثمنها بعد أن يقومها (إن بدا له ما يجب تقويمه).
ورغم ما قدم له من إضاءات وتوضيحات، فقد كان مستفزا أن يواصل السيد هلوساته وتهيؤاته…اتهاما وخلطا وقذفا وتشهيرا وتسييسا…مسببا بسلوكه الأرعن هذا أذى مقصودا لأشخاص ومؤسسات.
ومضرا بفاس وديناميتها السياحية المرجوة…التي يكافح البعض من أجل إطلاقها ورعايتها وحشد الدعم لها…بالنظر لنفعها الاقتصادي والاجتماعي المؤكد… فيما اختار السيد “النائب” أن يشوش عليها… بل وأن يناصبها العداء…بدون أدنى مبرر موضوعي.. اللهم إن كان يجترح عقدة نفسية عميقة ضد انتماءات سياسية لفاعلين سياحيين، أو أنه يعتبر نفسه وحزبه وعمدته مركز الكون بفاس ولا مباركة لشيء لا يخرج من جبتهم، أو أنه وحزبه لهم منظورهم ومشروعهم السياحي النظيف (على شاكلة خرافة الفن النظيف)….
وبذلك فهم قد يسفهون، بل ويكفرون كل سياحة غير ملتحية ولا محجبة.
سينجلي غبار هذه الزوبعة الفارغة وتنكشف خلفيات ومحركات هذه الخرجة البئيسة.
ولكن فاس وساكنتها عموما، وقطاعها السياحي خصوصا، بفاعليه ومآثره ومستثمريه ومستخدميه و”المتمعشين” منه سيذكرون بأن السيد نائب الأمة وخليفة العمدة قد عمد في عام وأزمة كورونا، ورغم كل النداءات الملكية والحكومية والمجتمعية إلى التضامن لتجاوز المحنة… عمد إلى التشويش على مجرد مبادرة صغيرة، كانت تبغي الخير… وقابلها صديقنا الإسلامي الكبير بكثير من الشر.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة