بلال مرميد يكتب: نحن آسفون يا شامة

أترك كل المواضيع خلفي، و أمعن النظر في ملامحها البريئة، و أشغل حاسوبي المتهالك. أكتب بعضا من سطور عن شامة الزاز التي غادرتنا، و منذ البدء سأطلب الصفح من الخالق لكل القائمين على شأننا الثقافي و الفني. أترك كل الهموم جانبا، و أغير توقيت كل احتفال لموعد لاحق. شامة الزاز ببساطتها، و قوة صوتها، و صبرها، و صمودها رحلت أمس. لا يمكن أن أضيف هفوة جديدة لمشوار هفواتي الحافل، و لا يحق لي أن أخصص اليوم ركنا للدعم الاستثنائي لمجال الفنون و ذلك المخصص للكتاب والنشر.

كل تفصيل هذا اليوم، قابل للتأجيل. هناك سيدة اسمها شامة الزاز، قسى عليها زمننا الفني الغريب، و غادرت بدون صخب. هي سيدة الطقطوقة الجبلية، شاركت في نحو ستين شريطا غنائيا، و في رصيدها أكثر من خمسين أغنية أنجزتها وأنتجتها بنفسها. لسنوات عديدة، تمت قرصنة أعمالها الفنية و هو ما شكل عائقا حقيقيا أمام شهرتها. و لأنها لم تكن من عباد المال، تطاول كثيرون على حقوقها و استغل أهل الجشع اسمها و عفويتها، و بلغت ببعهضم الوقاحة ليسوقوا كثيرا من أغانيها بأسماء أخرى منذ أزيد من خمسة و أربعين عاما.

في السهرات الكبرى لم تحضر إلا نادرا، وفي السفريات التي توجه فيها الدعوة لفنانين و أحيانا لأشباه فنانين لعكس تراثنا المغربي، كانت شامة شبه منسية. في حلقة من حلقات ال”إف ب إم” قبل ثلاث سنوات نبهت لهذا الأمر، و قلت حينئذ بأن شامة الزاز جزء من ثقاقتنا. شامة الزاز وقبلها الراحل محمد العروسي الذي اشتغلت معه كثيرا، ثم الحاج محمد الدمسيري أو محمد موذروس. هؤلاء، هم من يستحقون أن يعرف بهم إعلامنا، لأن بيتهوفن و باخ و هايدن و فيفالدي استفادوا من آلة إعلامية كانت ولا زالت في خدمتهم منذ القديم. عندنا خرجاتها الإعلامية كانت محسوبة، و لا زالت أتذكر ابتسامتها البريئة حين استضافها زميلي عبد الله منتصر و خصص لها استقبالا يليق بمقامها على ميدي1.

في أواخر شهر يونيو، تابعت مثل آلالاف المغاربة مقطعا مصورا يظهرها في إحدى المصحات، و تتكلم بصوت خافت و تحتفظ بنفس الهدوء. ملامحها كانت قد تغيرت، لأن فصائل المقاومة تنهار أمام وخزات المرض.

قاومت و تفادت الشكوى و التعبير عن قصر ذات اليد، بعد أن هاجم الداء قلبها، و تكررت زياراتها للمشفى. في الختام، دعتها المنايا فاستجابت لصوتها، لأننا جميعا نلعب أدوارنا في مسرح الحياة.

في مسرح الحياة، الموت لا يستثني أحدا في الكاستينغ، وشامة الزاز رحلت و أحس بغصة في الحلق أتمنى أن أتخلص منها في أقرب وقت. سأقحم هنا جانبا ذاتيا، و لا رغبة لي في أن أكون دائما موضوعيا لأني أولا و قبل كل شيء مجرد إنسان. شامة الزاز، أحبتها أمهاتنا.. أحبتها أمي، و كل إنسان تحبه أمي يحظى باحترامي و بحبي مدى الحياة و ليذهب كل مستغرب للجحيم.

أنا آسف شامة الزاز، و لا أعرف حقا كم يحتاج أهل الفن عندنا من فرص ليستدركوا قليلا، و يمنحوا روادنا الحقيقيين مكانتهم الحقيقية قبل الرحيل. لا أعرف..

رحيلك موجع سيدتي، و ابتسامتك البريئة التي واجهت بها قساوة الحياة لا تنسى.. شامة الحمومي.. شامة الزاز.. شامة الجميلة، دائما و أبدا.

* عن موقع medi1.com

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة