بداية نهاية الشركة في فاس؟.. “الديار” تكشف “حكاية” “سيتي باص” مع 3 عمداء وتوضح أسباب “رفض” استمرارها

هل هي نهاية “سيتي باص”، الشركة المفوض لها تدبير قطاع النقل العمومي عبر الحافلات بمدينة فاس؟ هل “جنت الشركة على نفسها” بعدم احترام دفتر التحملات؟.. أسئلة وأخرى أصبحت تطرح نفسها بشدة، في الأيام القليلة الماضية، خصوصا بعد “فشل” تحكيم وزارة الداخلية، وتوصل مصالح الجماعة بمراسلة من المجلس الجهوي للحسابات، في إطار تتبع خلاصات تقريرها “الأسود” حول عمل “سيتي باص”.

بل إن قرار “الطرد” صار أكثر واقعية، بعد اجتماع للمكتب المسير لجماعة فاس، برئاسة العمدة عبد السلام البقالي، الجمعة 22 يوليوز الماضي، حيث تم التشديد على رفض الجميع لدعم الشركة ماليا، “خوفا” من غضب الفاسيين، بعد الرجوع إلى تفاصيل “حكاية” “سيتي باص”.

“حكاية” شركة “مطيع” منذ دخولها الأول إلى العاصمة العلمية، والتي تتشبث بالقبوع بمدينة فاس، تشبث طفل رضيع بثدي أمه “الحلوب”، رافضا “الفطام”، رواها لأول مرة لجريدة “الديار” مصدر من المكتب المسير لجماعة فاس، كاشفا معطيات لم يعلن عنها سابقا.

“سيتي باص” وشباط

مشكل النقل الحضري الذي يربط المفوض (جماعة فاس) والمفوض إليه (سيتي باص)، يقول مصدرنا، انطلق سنة 2012، حيث تم فتح باب تلقي العروض، الذي يشترط على كل شركة راغبة في الظفر بالصفقة تقديم عرض يلائم ما تراه الجماعة مناسبا.

ووفق طلب العروض، قدمت شركتان، شريكتان، “سيتي باص للنقل” و”كرامة بيس” عرضا، وجده حميد شباط، عمدة فاس آنذاك، مغريا، تعد فيه الشركتان بعرض أسطول من 350 حافلة، باستثمار قيمته 43 مليارا، وهو ما اعتبره المصدر نفسه عرضا مشجعا، لكن، يستدرك، “شباط قدم للشركتين 122 حافلة كانت تابعة للوكالة، بالإضافة إلى توفير المحطات…الخ”.

“إذن بدأ المفوض إليه في سنة 2012 في الاستغلال، لم يستثمر شيئا، وحصل على دعم قيمته 60 مليون درهما، صرف منها 29 مليون درهم وبقيت منها 31 مليون درهم، كل هذا جرى حوالي سنة 2013 و2014، حينما كان شباط عمدة، قبل أن يبدأ مجلس الحسابات في التساؤل والبحث عن مصير 31 مليون درهم المتبقية”، يضيف محدثنا.

“وبخصوص الدعم، يستدرك مصدر جريدة “الديار”، فتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية تقدمه كدعم للطلبة، بحيث أن الطالب الواحد الذي يؤدي مبلغ 100 درهم كقيمة اشتراك شهري، و”الدولة” تؤدي عنه مبلغ 150 درهم.

وفي معطى مثير، كشف محدثنا أنه مباشرة بعد الفوز بالصفقة فسخت “كرامة بيس” العقد مع سيتي باص، وهذا الأمر وحده يشكل سببا لفسخ العقدة، فتمة مادة في دفتر التحملات تفرض على المفوض إليه، في حال ارتأى تغيير الشركة أو مغادرة حامل أسهم لها، إشعار المفوض، وهذا الأخير بدوره يتوجب عليه الحصول على رخصة من الداخلية، ثم الحصول على مصادقة على هذا التغيير ليتمكن من القيام به..

لكن هذا “السيد”، في إشارة إلى مالك “سيتي باص”، فسخ العقدة أو لربما انسحبت “كرامة بيس” مباشرة بعد حصولهما على الصفقة، وهو ما كان ملزما لرئيس الجماعة – شباط آنذاك – بالقيام ببحث في الموضوع، خاصة وأن “كرامة بيس” هي من كانت حاملة لخبرة في المجال، في الوقت الذي كانت فيه “سيتي باص” بدون خبرة، لأنها حصلت على تفويض النقل الحضري بمكناس سنة فقط قبل المجيء إلى فاس.. و”كرامة بيس” “خرجت تا حد ما كان سايق لها الخبر تا حد ما بحث عليها..!”

الأزمي و”التمديد”

ثم “جاءت العدالة والتنمية وحذفت لجنة التتبع.. وأدخلت الشركة 45 حافلة من نوع “سبلانتر” سنة 2016، حيث أوهمتهم بالاستثمار. وبعد حوالي 6 أشهر أخبرتهم بمعانتها من خلل التوازن المالي، مدعية أن مداخيلها توقفت، علما أنها اشترطت على نفسها استثمار 43 مليارا وهو ما لم تفعله..

بعد كل هذا أحضرت العدالة مكتب الدراسات لحوالي 7 أشهر دون تزويده بالمعطيات الكاملة واللازمة، مثلا 62 مليون درهم و70 مليون درهم التي حصلت عليها الشركة كدعم على الطلبة حوالي سنة 2015 و 2016..”، يسجل المصدر عينه، قبل أن يبرز أن الشركة اقترحت أن تمدد العقد مع الجماعة إلى غاية سنة 2035، وهو ما وافق عليه الأزمي والحارثي، وحاولوا تمرير هذه النقطة خلال دورة سنة 2018، لكن الوالي رفض، و”تبلوكا” المقترح، وكان المجلس الجهوي للحسابات قد دخل في ذلك الحين على الخط، والوالي كان يعلم أنه سيتم العثور على “شي حاجة”.

“فعلا تم العثور على “حوايج”.. مثلا الشركة تقوم بالتلفيف (تجديد الأسطول)، في البداية يظهر وكأنه جديد، لكنه فقط مرمم في معمل الشركة، ويرمم بمليون مثلا و”يقدر يقولك تقام عليا بـ10 مليون”، بيد أنه “كان للمجلس الجهوي للحسابات رأي آخر، حيث ساءل “السيتي باص” عن الأموال التي زعمت أنها أنفقتها في ترميم الحافلات، مشددا على أنها كانت كافية من أجل اقتناء عشرات الحافلات”، حسب التصريحات ذاتها.

وكان المجلس قد ساءل المفوض إليه، سنة 2015 أو 2017، وفق مصدرنا، عن 30 حافلة غائبة، لأنه زعم حينها اقتناء 132 “ميني بيس”، تواجدت منها 102 فقط.

وهو يكشف “خروقات” الشركة، أبرز عضو المكتب المسير لفاس أن الشركة قامت بكراء 16 أو 18 حافلة لـ”كرامة بيس” خلال سنة 2018 بمبلغ 3 مليار لمدة 4 سنوات، بمبرر البحث عن توازن مالي، وعندما أفلست “كرامة بيس” في القنيطرة ظلت الحافلات قيد الحجز.

وهو يسرد “الحكاية” على مسامع الجريدة، ذكر المتحدث نفسه أنه بتاريخ 21 ماي 2021 المجلس الجهوي للحسابات وضع تقريره للجماعة، أورد ضمنه ملاحظات تفيد بنقص 194 حافلة في أسطول الشركة، “إذن هاد المستثمر ما دار والو مستثمر ما شرا حافلات”، يردف.

خروقات بالجملة

“عند حصول العمدة الجديد، عبد السلام البقالي، على تقرير المجلس الجهوي للحسابات، يقول مصدرنا، أن أول ما انتبه إليه عمدة فاس كان المادة 53 التي تنص على أنه إذا كان عدد الحافلات في الأسطول أقل من 194، يتم توجيه الإنذار الأول، يليه الثاني، وهو ما قامت به الجماعة، وبعد الرد، تُسجل الغرامات، التي بلغت 173 مليار سنتيم.

وفعلا، يصرح محدثنا، قامت الجماعة بذلك وفق ما هو منصوص عليه، بالاعتماد على المفوضين القضائيين الذين جابوا مدينة فاس طيلة 15 يوما، حيث كانوا يراقبون الحافلات التي تشتغل والتي لا تشتغل، وقد وجدوا 19 خطا تم إلغاؤه، ويوجد في المادة 54 ما مفاده أن كل حافلة لا توجد ضمن الأسطول، ولم يؤت بها بعد الإنذار الأول والثاني، وفي ظرف شهرين، تسجل بموجب ذلك غرامة ضد الشركة”.

خلال مارس الماضي، يصرح المسؤول نفسه، بدأ التحكيم عند وزارة الداخلية، لأن الشركة والجماعة من حقهما، وفق المادة 71 من دفتر التحملات طلب التحكيم، وهو ما لجأت إليه الأولى، ويشار إلى أن التحكيم يتم اللجوء إليه بعد عدم توفق لجنة التتبع في الصلح، والجماعة لا تتوفر على هذه اللجنة منذ عهد الأزمي، وبالضبط منذ سنة 2016، وهي لجنة يجب أن يترأسها شخص متفق عليه من طرف الجماعة والسلطة المحلية والشركة، بيد أن الجماعة، يستطرد، شكلت لجنة خاصة بها، مكونة من مستشاريها.

“عندما اختارت الشركة أن تتجه إلى التحكيم، أبدت وزارة الداخلية استعدادها لإصلاح الأمور بين الجماعة وبين الشركة، وأعلمتهما أنه في حال التوصل إلى اتفاق ما ستجدد العقدة دون تمديد، لأن العقدة ستنتهي سنة 2027. كما أفصحت الوزارة عن استعدادها لتقديم مبلغ 20 مليار كدعم للشركة، على أن تستثمر الأخيرة 20 مليار كمفوض إليه لإدخال حافلات جديدة إلى فاس، وهو ما قبلت به “السيتي باص”، لأن الحل في صالحها، فالغرامة ستلغى مع تجديد العقد، وستلغى التساؤلات المذكورة للمجلس الجهوي للحسابات، وفوق كل ذلك ستستفيد من 20 مليارا”.

كما أخبرنا أن 8 أشهر هي المدة التي مرت على إرسال لجان الجماعة إلى الشركة، ووقوفها على عدة اختلالات، أبرزها أن الحافلة تخرج لتعود معطلة، كما أن المفوض إليه رفض إفساح المجال للجان من أجل الحصول على معلومات تتعلق بالتذاكر التي تباع، وحالة العمال وإذا ما كان مصرحا بهم في صندوق الضمان الاجتماعي أم لا، حيث أن العدد المصرح به، بحسب المصدر نفسه، يقل بشكل كبير عن العدد الحقيقي للعمال.

وأفاد المصدر نفسه، أنه بالإضافة إلى كل ما سبق، ارتكبت الجماعة خطأ كارثيا عندما لم تفتح حسابا بنكيا يستقبل الإتاوات التي تصل من طرف الشركة والغرامة كذلك، وهذا خطأ المفوض الأول، وهو شباط، وهو ما تنص عليه إحدى مواد دفتر التحملات، “وهذا سيناقش ضمن دورة من دورات المجلس أكتوبر أو سبتمبر المقبل”، يفصح المصدر نفسه.

وأورد أن رئيس الحكومة أحدث خلية خاصة بتتبع مخرجات المجالس الجهوية، وعلى إثرها، يقول أنه “ربما” توصل من طرف مجلس الحسابات باستفسار عن المخرجات التي تبلغ بها من خلال تقرير المجلس شهر ماي 2021 وما الذي قام به بشأنها. “يعني كاينة المساءلة”، يصرح مصدرنا، قبل أن يستدرك “والجماعة ستجيبهم وستخبرهم بأنها وجهت الإنذار الأول والثاني وسجلت الغرامة، وأنها لم تجد حسابا بنكيا تستقبل من خلاله هذه الغرامة.

وستخبرهم أيضا أنها ستفتح الحساب البنكي قريبا، وأنها بعثت اللجنة الأولى والثانية دون أن تفسح لها الشركة المجال للدخول، ناهيك عن كون العمال غير مسجلين بالضمان الاجتماعي … الخ من الاختلالات”.

بداية النهاية

كما أشار إلى أن الجماعة بعثت جوابا إلى وزارة الداخلية حول التحكيم، بحيث أكدت قبولها لمخرجاته، بشروط، تتعلق أساسا بإحضار 30 حافلة “المغيبة” “معرفناها فين هي” و”16 حافلة التي اكتريت للقنيطرة”، و173 مليار غرامة، لكنهم بعد مرور شهر ونصف أجابوا بإضافة قيمة مالية في الاستثمار، الوزارة مليار والمستثمر مليار ..

“كل هذا يحتاج إلى أن يمر في دورة ويصوت عليه.. لكن، عندما طرح الموضوع في المكتب لم يبد أحد استعداده لذلك، الجميع “تكمش”، مخافة من ردة فعل الرأي العام الفاسي الذي من البديهي جدا ألا يقبل بفكرة دعم الشركة بمبلغ 20 مليار!”

وأكد أنه سيتم استغلال نقطة “كرامة بيس” لإسقاط الشركة. و”رئيس الجماعة موجد الجواب للمجلس الجهوي للحسابات، على حد تعبيره، وغيوصلو ليه قبل 30 يوليو، والجواب فيه أجوبة على الاختلالات والمخالفات التي كانت.

إذن نؤكد وجود مخالفات.. ما نفذته الجماعة من جهتها واضح.. الاختلالات لم تصلح بعد.. والشركة لم تف بوعدها المتعلق بإحضار 194 حافلة، حيث لم تحضر ولا واحدة منها، ولا حتى عجلة..! والأدهى من ذلك هو أنها لم تقم بتوفير المعدات اللازمة لإصلاح ما تعطل من حافلاتها.

وفي نفس الوقت توصلت جماعة فاس بنتائج التحكيم، ولكن المفوض إليه سجلت ضده عدة خروقات، لذا لا يمكن للتحكيم أن يكون مقبولا، وإذا ما رُفض التحكيم سواء من طرف الجماعة أو من طرف الشركة تحول القضية صوب المحكمة.. أو لتفعل الشركة ما يحلو لها.. إذا شاءت رفعت دعوى ضد المجلس. ومن جهة الأخير فإنه يحتفظ ببعض البنود التي ينص عليها دفتر التحملات، الذي يربط الجماعة بالمفوض إليه، إلى حدود 2027، والتي تحدد مصير التعاقد إلى ذلك الحين”، يخلص مصدرنا الذي رفض الكشف عن هويته، مشددا على أن “حكاية” “سيتي باص” في فاس ستنتهي قريبا.