“شكرا” كورونا!

لا شكّ في أن البعض قد يجدون العنوان أعلاه مستفزا ويتخدونه مطية للحكم على كاتب هذه السطور واتهامه بالتشفي في آلام من فقدوا عزيزا أو قريبا بسبب فيروس كورونا.

كما قد يَفهم منه البعض تعبيرا عن ابتهاجي لما يمرّ منه بلدنا المغرب والعالم من أزمة خانقة، سببت الكثير من الآلام ودمّرت اقتصادات أقوى الدول.

وتفاديا لكل لبس أو محاولة للاصطياد في الماء العكر، أودّ أن أوضح أن اختياري لهذا الموضوع/ العنوان هو محاولة للفت الانتباه، فقط لا غير، إلى مواقف و”ظواهر” لم نكن لنعيشها أو نكتشفها في زمن آخر غير زمن كورونا.

وكما لـ”جائحة” كورونا جانبها البشع الذي يعرفه ويتفق عليه الجميع بدون استثناء، فإن لها انعكاسات أخرى، سياسية واجتماعية وإنسانية.

“نِعمة النقمة”.. هكذا وصف الكاتب أحمد بوزفور هذه الجوانب التي ظهرت مع فيروس كورونا في بدايات تسجيل أولى الإصابات في المملكة.

وكان أول هذه “النعم” أننا اكتشفنا، لأول مرة، أن الدولة تخاف على المواطن أكثر مما يخاف على نفسه، وهو ما تجلى في “المطاردات” في الشوارع وبين أزقة المدن لحثّ المواطنين على الالتزام بتدابير الحجر ولزوم منازلهم، فقط، لتجنّب الإصابة.

في زمن كورونا، خبرنا معدن رجال ونساء لم يحظوا يوما بالإنصاف، بعد أن جعلتهم ظروف “الجائحة” في الخطوط الأمامية لمواجتها، في مغامرة لا يمكن توقّع نهايتها.

“نشكر” كورونا لأنها أنصفت قطاعات كانت، منذ مدة، في آخر لائحة اهتمامات الحكومات المتعاقبة على تسيير شؤون المغاربة. كما أظهرت أن المغرب يتوفر على “عرّام” من المسؤولين لا دور لهم في القرارات والمواقف المصيرية للبلاد.

قدّم لنا هذا الوباء “اللعين”، أيضا، كفاءات، في التسيير والاختراع ووطنيين أقحاحاً همّهم الوحيد مصلحة المغرب والمغاربة، بعيدا عن الحسابات السياسية والاقتصادية، كما عرّفنا على الوجه الحقيقي لسياسيينا ومنتخَبينا.

ولأن جريدة “الديار” جهوية، دعونا نتحدث هنا عن سياسيي جهة فاس -مكناس ومنتخبيها تحديدا، الذين “انقرضوا” فجأة من الساحة، تاركين المواطن “مْنّو لكورونا، وتبعاتها”.

فماذا قدّم سياسيونا ومنتخبونا للمواطن، بالجهة، في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها بسبب الوباء؟

الجواب، من وجهة نظري، هو “وااالو!”..

لأنه مباشرة بعد ظهور أولى الحالات بالمغرب وإنشاء صندوق دعم المتضررين من “جائحة” كورونا، تنافس المتنافسون في إصدار بلاغات “بائسة” حول تخصيص جزء من تعويضاتهم لفائدة الصندوق، في الوقت الذي تبرّع مسؤولون ومواطنون من مالهم الخاص.

بعد ذلك جاء دور رؤساء الجماعات والمقرَّبين لالتقاط الصور مع الإعانات التي تم اقتناؤها من المال العام، وليس من جيوبهم، قبل تسليمها للسلطة، بعد مذكرة من الداخلية لدعم الفئات المعوزة.

ليدخل بعد ذلك “سياسيونا” في حجر صحي “حقيقي”، في الوقت الذي يعاني المواطن البسيط من الفقر والجوع بعد توقف كل الأنشطة التي يقتات منها، دون أن يجد من يوصل رسالته أو شكواه إلى المسؤولين.

“قوالب” السياسيين لم تتوقف هنا.. وعلى غرار “تجار المآسي”، أطلق العديد منهم أكبر حملة انتخابية سابقة لأوانها، مُسخرين في ذلك جمعيات مقربة أو”بلطجية”، عبر توزيع “بوان” وأموال على المواطنين، سواء بعلم السلطة، أو بعيدا على أعينها.

ثم انخرط البعض في موجة “اللقاءات عن بعد”، للتحليل والتنظير في “ما قبل كورونا وما بعدها”، فيما تخصص آخرون، بعض البرلمانيون منهم، في “كوبي كولي” للأسئلة البرلمانية ونشرها على حساباتهم في فايسبوك، في تسويق “لإنجازاتهم” الوهمية والمتوهَّمة!

ولم يقتصر هذا “الغياب” على المنتخبين على مستوى الجماعات والأقاليم، فحتى “كبيرهم”، رئيس الجهة، “اختفى” وتحصّن بفيلته في الرباط، بعيدا عن “صداع” كورونا، في الوقت الذي يقضي رجال السلطة جلّ أوقاتهم في الميدان، وسط “المعمعة”.

رئيس جهتنا اعترف بعظمة لسانه، في خروج إعلامي عن بعد، بأنه يستغلّ حالة الطوارئ لقضاء الوقت مع عائلته، علما أن الآلاف من أطر الصحة والقوات العمومية لا يستطيعون الولوج إلى منازلهم خوفا من نقل العدوى إلى أفراد أسَرهم بسبب احتكاكهم اليومي مع المصابين والمواطنين.

نعم، قدّمت الجهة دعما ماليا لصندوق تدبير الجائحة، من المال العام، واقتنت المئات من القفف، من المال العام أيضا.

لكنْ من سيقوم بالتوزيع العادل لهذه المساعدات؟ من سيقوم بالمتابعة وتحديد الأولويات حسب المتضررين وحسب المناطق؟ من سيتواصل مع المواطن المغلوب على أمره؟ وما دور الجهة كمؤسسة منتخبة، “أصلا”، إذا كانت لا تُقرر ولا تُشارك في تدبير أمور ساكنة المنطقة وتنتظر، مثلنا، قرارات الرباط؟!

وهنا أقول لـ”مسؤولينا”: سكان القرى والدواوير في بولمان وآزرو والحاجب وصفرو وتاونات…، الذين لم يتوصلوا بالدعم، صوّتوا عليكم لإيجاد حلول لمشاكلهم ولتُخرجوهم من العزلة والخصاص وتُقدموا لهم يد العون.. ولم ينتخبوكم لتُمطروهم بالبلاغات وبتقارير اجتماعاتكم عن بعد.

ودعوني، قبل أن أنهي هذه السطور أن “أشكر” كورونا مجددا، لأنه بفضلها تعرّفنا على رئيس جماعة “طنّاز” وصاحب “نكتة” بعد تخصيصه دعما، من المال العام، عبر طلب عروض تُفتح أظرفته مع “نهاية” كورونا، قبل أن يتراجع عن هذا القرار بعد تدخّلات وضغوط.. لتبقى جماعته هي الوحيدة في المغرب التي لم توزع مساعدات إلى حدود كتابة هذا المقال…

لماذا كلّ هذا “التخربيق”؟!.. لأنه يحرص على تطبيق القانون ولم يتوصل بمراسلة من العامل! يجيب “عالمنا” في لقاء لحزبه عن بعد، رغم صدور مذكرة وزارية، في الموضوع، تسمح له باقتناء المساعدات مباشرة.. قبل أن يضيف “نكتة” أخرى، في اللقاء نفسه، مفادها أن مشاكله مع القضاء حول تسيير الجماعة تسبب فيها وزير الداخلية، بمذكراته التي لا يعترف بها القاضي!…

أخيرا، ولأنه “زمن” كورونا..

شكرا للملك محمد السادس الذي يعود له الفضل في تجنيب البلاد والعباد أسوء أضرار “جائحة” كورونا؛

شكرا للمسؤولين الذين اشتغلوا بصدق ووطنية لتدبير الأزمة التي تمر بها المملكة؛

شكرا لأطر الصحة المنخرطين في مواجهة العدوى، على تضحياتهم ووقوفهم أمام الخطر بكل شجاعة، ولا عزاء “للغشاشين” والانتهازيين الذين لا يهمّم سوى “بريم” كورونا؛

شكرا لأطر التعليم، الذين عملوا على تدريس “ولاد الناس” بصدق وبوسائلهم الخاصة دون “بكاء”؛

شكرا لرجال السلطة، الذين يشتغلون بمهنية وتفان دائما؛

وشكرا كذلك للذين لم يتحركوا إلا في فترة كورونا؛

شكرا لكل عناصر القوات العمومية دون استثناء؛

شكرا لنساء ورجال النظافة الذين يعملون في ظروف “مخزية” بسبب جشع واستغلال مُشغليهم.

رحم الله موتانا وشافى مرضانا ورفع عنا البلاء.

#الزموا_الديار