تشنج غير مسبوق بين المعارضة والعمدة.. “الديار” ترصد تفاصيل “العبث” في دورة فبراير للمجلس الجماعي لفاس

تحولت الدورة العادية لشهر فبراير لجماعة فاس، بمجرد انطلاق أشغالها، صباح اليوم الإثنين في قاعة الندوات بمقر الجماعة، إلى دورة “غير عادية”. الكثير من التشنج بين عبد السلام البقالي رئيس المجلس، وبين المعارضة المشكلة من فريق حزب العدالة والتنمية، وفريق جبهة القوى الديمقراطية، قبل أن تنسحب المعارضة احتجاجا.

جريدة “الديار” حضرت أشغال دورة “البلطجة، وفق تعبير بعض الحاضرين، لتنقل إليكم تفاصيل أجواء “مكهربة”.

نقطة نظام

افتتحت الجلسة بقراءة الفاتحة ترحما على روح الفقيد الطفل ريان وعلى موظفين أطر بالجماعة فارقوا الحياة خلال الأشهر الماضية، قبل أن يشرع البقالي في جرد ملخص الأعمال التي قام بها المجلس بين الدورتين السابقة والحالية.

بدأ أفراد فريق المعارضة وعلى رأسهم المستشار يوسف الفلالي في طلب نقطة نظام، ومع إصرار الأخير على ذلك مقابل رفض العمدة، فار غضب البقالي، وبدأ في الصراخ “أنت تعرقل الجلسة”، ليزيد الآخر من حدة ثورانه حينما قال بأن المستشارين “ما فاهمين والو”، حيث رد البقالي: “خلي المستشارين فالتيقار”. ومع هذه البداية المشحونة والمليئة بالتوتر، كان من الواضح جدا أن الأمر سيستمر على الحال نفسه، فقد استمر المستشار في البحث عن نقطة نظام “هاربة”، قبل أن يلوح إلى أن الدورة غير قانونية، مضيفا “الزيت على النار”، حيث أوضح رئيس المجلس أن مجلسه اتخذ كافة “المسائل” القانونية حاثا المستشار على اتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات، قائلا: “ايلا عندك شي حاجة قانونية سير للقانون حنا ما هاربينش من الحق”.

وعقب لحظات لم تطل من الهدوء.. “الهدوء الذي يسبق العاصفة”، تلا رؤساء اللجان تقاريرهم حول اجتماعاتهم، انطلاقا من لجنة المالية والميزانية، التي شهدت لحظة تلاوة التقرير صراخا وفوضى وضجيجا كاد يغيب صوت رئيسة اللجنة، التي استمرت رغم كل شيء في قراءة ما هو مكتوب لديها، وبتعثرات كبيرة في القراءة، بكثير من الأخطاء، مرورا بلجنة المرافق العمومية والخدمات، ولجنة العلاقات العامة والشراكة والتعاون، ولجنة البيئة والتعمير، ولجنة التنمية البشرية والاجتماعية والثقافية والرياضية.

شركة التنمية

وفي النقطة الثانية المتعلقة بعقد موافقة على شركة التنمية المحلية “موارد”، تفجر التوتر مجددا من طرف محمد الحارثي، الذي أبى إلا أن يستمر في حث العمدة على تسليمه نقطة نظام، حيث رد الأخير على إصرار المستشار: “أرفضها وتابعني قانونيا صافي صااافي.. حشومة عليك تعرقل السير.. تا واحد مغياخد الكلمة.. وا تكى بحالك”، موجها كلامه إلى مستشارين كثر أرادوا أخذ الكلمة بما فيهم محمد خيي.

هذا وفتح تزامنا وهذا “الصراع”، (فتح) عبد السلام البقالي باب النقاش حول الشركة المذكورة، محددا وقت ذلك في دقائق ثلاث، ومفتتحا ذلك مع المستشار خالد اليحياوي، الذي أقر بأن إدخال الشركة إلى المدينة عمل خطير يمس باستقلالية السير المالي للجماعة وبمبدأ التدبير الحر، ويتضح ذلك، حسبه، من خلال القانون الأساسي للشركة خاصة الغرض الاجتماعي.

وحالما أخبر العمدة اليحياوي بأن دقائقه الثلاث انقضت، احتج الأخير مؤكدا أن هذا الفعل يمس في العمق بمبدأ حرية التداول وحرية التعبير، مذكرا بأنه – أي العمدة – في المجلس السابق كان يحظى بكلمة تتعدى دقائقها العشرون.

محمد الحارثي، وبعدما استلم الكلمة، أكد أن الشركة “ماشي قبيحة ولكن مازال ماجاش الوقت ديالها”، لأن الترسانة القانونية المغربية لا تسمح بالتحصيل، لأنه يكلف بتحصيل الديون العمومية المحاسبون، الخازن العام.. لكن في البند يوجد أن الشركة لها الحق في إصدار أوامر الإيرادات والانتهاء بالتحصيل.. “وبحالي كتولي كتشرف على الرئيس”، ومن تم فتنزيلها غير قانوني، يفيد الحارثي.

أما محمد خيي، فقال أنه لا يمكن الحديث عن التنمية دون ديمقرطية، والأجدر بكم (موجها كلامه إلى العمدة) السهر على القانون، فلا يعقل أن يطلب مستشار الكلمة لإدلاء ملاحظاته ويتم منعه من حقه. ولدينا ملاحظات، يقول، تتعلق بالإعداد للدورة، حيث أن الدعوة إلى عقدها غير مفهومة، لم نعرف النقط التي أدرجها الرئيس بتعاون مع مجلسه، ولم نعرف النقط التي جاءت من سلطة المراقبة الإدارية، ولم نعرف النقط التي أدرجها الأعضاء بناء على القانون.

“أما فيما يخص انعقاد اللجان فالقانون يقول أنه يجب أن ترفع تقارير اللجان قبل عشرة أيام من الدورة والجلسة الثانية للمالية لم تنعقد إلا يوم الجمعة. قبل أن يعرج إلى الحديث عن نقطة شركة التنمية المحلية حيث أشار إلى أن الأطر التشريعية للبلاد يجب أن تكون ملائمة لهذا الشكل القانوني.. وهو يتم كلامه داهمه كاتب المجلس مؤكدا انقضاء الوقت المخصص له، قبل أن يتم كلمته.

“الفرشة” والفضيحة

من جهته، قال عبد القادر البوصيري وهو من الأغلبية، تعقيبا على الجدل داخل قاعة الجلسات، في معرض مداخلته “حنا ولاد فاس وكل واحد بلاكتو على ظهرو، ومعندنا ما نتزايدو راه كل واحد فينا كيعرف لاخور ونقط ضعفه”، موردا “حرام وحشومة باش 600 عامل تشرد ومكاين فيكم السياسيين اللي كيديرو لينا البوليميك هنا قال اللهم إن هذا منكر”.. متسائلا عن “أين الحساب الخصوصي لشركة سيتي باص “اللي كان خصها دير 0.05″، لماذا لم تقوموا بذلك عندما كان “بارك بنسودة” يباع.. أين كان المجلس السابق؟”

كما أضاف “بغيتو نديرو الفرشة نديروها.. نديرو الفضيحة نوضوا نتفاضحوا هنا..”، ثم أورد أنه لديه نقطة يجب أن توضع “حلقة في الآذان” وهي أنه يمكنه الاستماع إلى حميد شباط فقط، أما ما أسماهم بالفاشلين الذين دمروا مدينة فاس فلا يمكنه الاستماع إليهم، مشددا على دعمه لجميع المشاريع.

مبروك العيد

وما هي إلا ثوان حتى وصل دور حميد شباط ليأخذ مداخلته، مفتتحا إياها بـ”الدنيا هي هادي مكاينش مشكل”.. ثم “مبروك العيد”، موضحا أن المجلس ليس مجالا للصراع، وأنه غير مهتم بشركة سيتي باص.. شغله هو شركة التنمية المحلية التي أوضح أنها تجربة فشلت في كبريات المدن المغربية وعلى رأسها الدار البيضاء.

“وهاد الشركة مدايراش شغالاتها، المجلس يدير شغالاته، ويدير طلب عروض يجيب شركة أخرى”، أما شركة التنمية، فوفق تعبيره، يربح منها من هم في مكتب المدير، لا المستشار يربح ولا المدينة.. مؤكدا أنه هذه الشركة ستخلق مشاكل للمجلس، وفيها مشكل خطير، يلزمه نقاش معمق.

“المسؤولية أمانة، يقول شباط للبقالي، مع الله ومع العبد”، فيجيبه العمدة “حنا عارفين”، ليرد عليه شباط “والله ما عارف شي حاجة”، لنطلق التراشق بالكلام: “العمدة: نتا اللي معارفش..

شباط: والله ما غادي إلا فالخسران بالله هادي ماشي طريقة تدبير تهين ساكنة فاس والله تتخرج على فاس وسمحلي الله يرضي عليك..

العمدة: فاس فوق كتافي ومتقولش بأنني معارفش أنا عارف شكندير نتا اللي معارفش متبقاش تمرر علينا شي حاجة…”

محمد الفيزازي فور أخذه الكلمة سارع هو الآخر إلى إضافة “الحطب” على غضب العمدة، حيث قال: “لو أنه كانت شوية ديال الحكامة فيما يتعلق بالمسطرة منذ البداية”، ليقاطعه العمدة “هي نتا مبانتش ليك الحكامة دابا متقوليش مكايناش حكامة حنا كنموتو معها”.

في حين أفصح عربوش عن أسفه من الحضور إلى جلسة لم يضبط فيها العمدة أمور التسيير، ليحتج من جديد العمدة: “متقوليش مضابطش التسيير.. دابا نتا تجي تقولي أنا مضابطش”، مما اضطر عربوش إلى سحب كلمته التي زادت من الاحتقان.

“45 نقطة أدرجت في جدول الأعمال بمعنى أن هذا المجلس قطع راسو الله يحسن العوان، الرئيس غنهنيوه فهاد الدورة هادي لأنه ذبح الديمقراطية”، يقول يوسف الفيلالي، قبل أن يرد عليه العمدة “آ مذبحتش آ سيدي نوض جمع راسك حنا النخاع ديال الديمقراطية”.

وواصل الفيلالي مداخلته مشيرا إلى أن شركة التنمية تعرف مشاكل كبرى على المستوى الوطني، وهي غير قانونية لأنها تسحب الاختصاص من الرئيس بشكل تام.

أما علي لقصب عن فريق حزب التقدم والاشتراكية، فندد بما وصفه بالخرق الفاضح للنظام الداخلي، فيما يخص بالسماح بأخذ نقط نظام، قبل أن يوضح أن تجربة التنمية المحلية فشلت في تجربتين الأولى مع سيتي باص والثانية مع الإدارة العمومية..

“واليوم سنحدث شركة جديدة مهامها الإشراف المباشر على المهام التي توكل قانونيا للآمر بالصرف أو المحاسب العمومي، وهذه مسألة خطيرة لأن صلاحيات رئيس المجلس هي إعداد الميزانية وتنفيذها وتوجد أجهزة مراقبة.. إذا كنا سنحدث شركة فيها موظفين يتحكمون في الرئيس فلا داعي للانتخابات”، يضيف، وهو ما رد عليه العمدة قائلا: “عندما يتكلم مستشار عزيز علينا ويتكلم عن شركة سيتي باص بوصفها شركة تنمية محلية يحز في نفسي هذا الأمر حيث لا توجد علاقة بينهما، والتنمية المحلية هي منهجية جديدة وحكامة في التدبير جاء بها الميثاق 113.14، وأنا أريد لفاس أن تحقق إقلاعا كما المدن التي بدأت التجربة وحققت هذا الإقلاع”.

دفاعا عن الأغلبية

مفيد، الطهار، جاي، مراد مستشارون أكدوا تزكيتهم لهذه النقطة، أي نقطة إحداث الشركة، مشددين على أن المدينة في حاجة ماسة إليها، خاصة وأنها جاءت لتضبط موارد الجماعة الضائعة، “باش الناس اللي كيتشكاو ومضرورين يترفع عنهم هاد الضرر، مثلا بزاف دالناس جاتهم ضريبة على الأراضي العارية وهوما ساكنين فدارهم لمدة عشرين سنة وضاعت أموالهم وحجز البنك على حساباتهم… والشركة جات باش اللي مكيخلصوش الضرائب على الأزبال يوليو يخلصوها… الخ”، يقول إسماعيل جاي دفاعا عن شركة التنمية المحلية موارد.

انسحاب 

وقد صوت 50 عضوا بالإيجاب لصالح هذه النقطة، المتعلقة بشركة التنمية المحلية موارد، فيما امتنع 13، ولم يسجل أحد رفضه، قبل أن يحتج الفيلالي من جديد مطالبا بإعادة حساب الأصوات..

وما هي إلا لحظات حتى كثر الصراخ والصخب في القاعة، وبدأت المعارضة تحتج، وفار مجددا غضب العمدة، حيث طالب بإخراج مفتعلي الفوضى، وهم أعضاء المعارضة الذين انسحبوا من الدورة.

فريق حزب العدالة والتنمية على لسان محمد الحارثي قال في تصريحات بعد انسحابه، إن انسحاب مستشاري الحزب من أشغال دورة فبراير، جاء لرفض تزكية العبث الذي تدار به الجماعة، ولأن الظروف العادية، القائمة على التعاون والتشارك، الكفيلة بإنجاح الدورة غير موجودة.

وأضاف: “الذي أفاض الكأس اليوم أن التصويت الذي يجب أن يكون بالأغلبية المطلقة على نقطة شركة التنمية لم يتحقق، حيث عمد كاتب المجلس إلى قول أرقام تصويت مساندة أو بنعم تفوق ولا تتناسب مع عدد الحضور، الأمر الذي دفعنا إلى طلب إعادة الحساب، لكن دون عائد يُذكر”.

وذهب في نفس التصريحات إلى القول بأن المجلس يعرف تخبطا كبيرا، وأن الصراع يطبع مكتب المجلس، الأمر الذي سيعطل المسار التنموي للمدينة، وسيعود بها إلى سنوات ضوئية مضت، مع كامل الأسف، يقول المستشار الجماعي.