جواد شفيق يكتب: انتخابات كورونا / كورونا الانتخابات
بكثير من الشجاعة اختارت بلادنا أن تنظم انتخاباتها العامة طيلة صيف و بداية خريف السنة الجارية 2021.
المؤشرات الوبائية مقلقة عالميا( البلاغات التحذيرية لمنظمة الصحة العالمية مخيفة ) و يتزايد القلق عندنا يوما بعد يوم بفعل الارتفاع المسترسل في أعداد المصابين ، و يعلم الله ماذا سيحل بنا في أسواق و طقوس و أجواء العيد ؟ و ماذا يمكن أن يحدث في جلبة و جذبة الانتخابات ؟
لاشيء يؤشر بأن نهاية الجائحة وشيكة ، على الأقل في بعدها الصحي ، أما آثارها الاجتماعية و الاقتصادية و النفسية فمداها متوسط لا محالة .
لقد كان اختيارا وطنيا ديمقراطيا ذكيا أن تنحاز بلادنا الى المزاوجة بين مواصلة العمل من أجل مناعة صحية جماعية، و مواصلة العمل من أجل مناعة ديمقراطية وطنية.
للتكيف مع انتخابات كورونا هذه ، يلزم البحث الجماعي عن توليفات ضامنة لممارسة الحقين معا : الحق في الانتخاب و الحق في الصحة.
دورية وزير الداخلية رقم 5867 الصادرة في 3 يوليوز 2021 بشأن التحضير لانتخابات أعضاء الغرف المهنية 6 غشت 2021 ، أولت لموضوع الاحترازات و الإجراءات الوقائية حيزا مهما …و هو أمر محمود ، في انتظار أن نسمع عن مبادرات و مقترحات رسمية و مدنية و حزبية تهم استحقاقات 8 شتنبر 2021 الجماعية و الجهوية و التشريعية ، ليس فقط يوم الاقتراع ، و لكن و بالضرورة أثناء الحملة، لأنه عكس الانتخابات المهنية حيث الهيئة الناخبة قليلة ، و تعتمد في جزء كبير منها على علاقات شخصية و مهنية و مصالحية متشابكة ، و تمر في الغالب الأعم بلا ضجيج ، فإن الانتخابات العامة المغربية المرتقبة بحلتها الجديدة ، ستعرف لا محالة كثرة و وفرة في الترشيحات و ما إلى ذلك من تجمعات و مسيرات و سهرات و خلايا منتشرة و طرق يومي للأبواب … بيئة كورونا المفضلة.
الشجاعة البادية و المحمودة هذه ، تضمر فعلا دستوريا صرفا إذ ينص الفصل الثاني من الدستور على أن “تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر و النزيه و المنتظم “.
و معلوم بأن الانتظام أو الدورية هو أحد الخصائص الأساسية للانتخابات الديمقراطية ، بالإضافة إلى خصائص أساسية أخرى كأن تكون عامة ، متساوية، سرية، نزيهة و عادلة ( معايير النزاهة عديدة ،تشمل من ضمن ما تشمل : حق الاقتراع العام، تسجيل الناخبين بشفافية و حياد ، الحياد السياسي للقائمين على الانتخابات، قانون انتخابات عادل ….) ، و تعبر عن حريات المواطن.
انتخابات عامة بهكذا خصائص هي ما أصل و يأصل شرعية النظم السياسية الديمقراطية.
لماذا ؟
لأن الانتخابات تكتسي آنذاك طبيعتها الأصلية بما هي حق ، و و وظيفة اجتماعية( سيادة الأمة / الشخص المعنوي عوضا عن السيادة الشعبية/ الأشخاص الماديون ) ، و سلطة قانونية .
إن اعتبار الانتخابات أهم ممارسة سياسية و أفضل وسيلة لنقل السلطة من شخص إلى آخر أو من مجموعة إلى أخرى هو ما دفع الفكر السياسي الإنساني/ الديمقراطي منه بالخصوص إلى الاجتهاد المتواصل لإحاطتها بمترايس من التحصينات التي إن غابت فقدت مع غيابها الانتخابات حقيقة معناها و نبل هدفها ..و ساد كل شيء ، باستثناء الديمقراطية.
هذا الحرص الوطني على ألا يعطل شيء شيئا …و على أن نستمر في مكافحة كورونا ، و احترام دورية بناءنا الديمقراطي و المؤسساتي بما هو السبيل الأسلم و الأنجع المتوافق عليه كونيا لمكافحة أوبئة الهشاشة و الأمية و البطالة و الإقصاء و اللاعدالة الاجتماعية و المجالية والفساد و اللاثقة …عبر طريقنا السيار الجديد “النموذج التنموي الجديد/ مغرب الغد ،2021/ 2035.
هذا الحرص الوطني يجب أن يسند بكثير من النزاهة و التجرد…
تتعدد خصائص و معايير و قوانين الانتخابات…. كما يتعدد فاعلوها… و أهمهم البشر ( ناخب ، مرشح ، إعلامي ، مشرف ، مراقب ، مثقف ، ….)
و في كل فعل اجتماعي يبقى العقل و السلوك و الوعي البشري حاسما في صناعة التاريخ في شتى أوجهه ، القبيح منه و الجميل ، الذميم و الوسيم ، المضيء و المظلم .
باختيار بلادنا احترام دورية الانتخابات، نكون قد حللنا معادلة انتخابات كورونا ..
و لكن دفاتر و دروس التجربة الانتخابية المغربية تقول بأنها كانت دائما عرضة لتشوهات و تقرحات ، و غالبا ما نبتت على حواشيها حشائش ضارة و هاجمتها فيروسات..
و بالعطف على زمن كورونا هذا ، يمكن القول بأن عملياتنا الانتخابية قد كانت عرضة لكورونات انتخابية، مدمرة للثقة كمناعة جماعية للوطن .
لقد تشارك في صنع هذه الكورونات ناخب لا مبالي ، و سياسي فاسد ، و مشرف مرتشي ، و مثقف مستقيل ، و إعلامي متواطئ ،…و المحصلة …أزمة ثقة عميقة.
في أحد حواراته مع المرحومة مليكة ملاك فكك الأستاذ محمد عابد الجابري بعقلانية كبيرة كيف أن الإدارة المغربية معروفة بانضباطها التسلسلي الصارم Solide Bureaucratie.
و قد جاءت أزمة جائحة كورونا لتزيد قناعتنا بما ذهب إليه الأستاذ الجابري …
لقد تحملت المؤسسة الملكية في شخص الملك المناضل محمد السادس مسؤولية قيادة و إدارة الدولة المغربية بإدارتها و سلطاتها و أجهزتها و مؤسساتها و عساكرها و مدنييها في المعركة ضد الوباء ، برامج و مبادرات و توجيهات و تشريعات و حتى رمزيات “تلقيح جلالة أمام أعين العالم”.
و قد سبق لجلاته غير ما مرة أن وجه و انتقد بخصوص دور المؤسسات و الأحزاب و المنتخبين ، بل و حذر ذات خطاب قوي من أن ننتخب فاسدا ثم نأتي لنتباكى على حال مؤسساتنا و تنميتنا… في تلميحات صريحة إلى كورونات السياسة و المؤسسات و الإدارات..
و المغرب ذاهب نحو “مغرب الغد ” ،
و المغرب يغالب لاجتثاث كورونا حفاظا على أمنه الصحي و النفسي و الاجتماعي و الاقتصادي…
فإن حماية أمننا الديمقراطي و المؤسساتي تقتضي أن نخوض معركة اجتثاث كورونات السياسة و الانتخابات و المؤسسات …المعلومون منهم الذين سارت بذكرهم الركبان ، و المتواطؤون المتخفون .
معركة استعادة الثقة….تستحق هذه المعركة.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة