“ديناصور” جهة فاس مكناس

صادق مجلس جهة فاس مكناس، كما كان متوقعا، على جميع نقط جدول أعمال الدورة العادية للمجلس.

ورغم الطابع الاستثنائي لدورة أكتوبر لهذه السنة، من حيث عدد المشاريع والاتفاقيات، والميزانية الضخمة المخصصة لها، فضلا عن دراسة ومناقشة ميزانية 2021 في ظل ظروف “جائحة” كورونا، فإن أعضاء المجلس، أغلبيةً و”معارضة”، ارتأوا تمرير جميع النقط في وقت قياسي (أقل من 4 ساعات) مقارنة بعدد النقط المدرجة (40 اتفاقية، إضافة إلى الميزانية وتحويل الاعتمادات…).

وقبل الخوض في التعليق على الميزانية والمشاريع التي تمّت المصادقة عليها في دورة أكتوبر، فإن ما يثير الانتباه، في البداية، هو اتفاقية تمديد عقد مع وكالة المغرب العربي للأنباء “لاماب”، من خلال مبلغ 124 مليون سنتيم تقريبا لسنتين (2020 و2021) مقابل تغطية بعض تظاهرات الجهة!

اتفاقية، “تحاشى” المكلفون بتدبيج بلاغات المجلس بَعد الدورة الإشارة إليها، ربما لأن العقد مع “الوكالة” ينصّ، في بنوده، على عدم نشر الجهة لتفاصيله، تُكلف 62 مليون سنويا، مقابل “مقالات” و”تسجيلات مرئية” لـ12 تظاهرة للجهة، مع طبع عدد خاص بالحصيلة السنوية، توزعه “الوكالة ” بـ25 درهما للنسخة!

إلى هنا، قد تبدو الأمور عادية، بذريعة أن “لاماب” مؤسسة رسمية، من حقها البحث عن إبرام تمويلات، لكن المستفز يتجلى في المصادقة على التمديد الخاص بـ2020 في شهر أكتوبر! أي في نهاية السنة، مع “إرجاع” مبالغ مهمة إلى الرباط دون أن تستفيد منها الجهة، في تجاهل غير مبرر للمقاولات الإعلامية الجهوية.

وهنا تفرض مجموعة من التساؤلات نفسها، أمام ما يشبه “الإعدام” للمقاولات الصحافية في الجهة، من قبيل: ألا توجد في جهة فاس مكناس مؤسسات إعلامية قانونية؟ أليس من المفروض في المسؤولين دعم الصحافة الجادة والمهنية، وتوفير مناخ ملائم لحرية التعبير، جهويا ومحليا؟ ألا يجب صرف أموال الجهة في الجهة نفسها؟

قد تكون للأمر علاقة بـ”الصْواب” والرغبة في “دعم” الوكالة، لكن مبلغ 62 مليون سنويا، طيلة الولاية الحالية للمجلس، قد “ينقذ” أكثر من مؤسسة إعلامية في الجهة من “الإفلاس”.

ولعل هذا “الحيف” أثار سخط العديد من الزملاء ومديري صحف بالجهة، فور كشف جريدة “الديار” تفاصيل عقد “لاماب”، قبل أن يعلق مدير موقع محلي على هذا التهميش، بحسرة: “بثمن أقل بكثير، “نسكنو” في الجهة.. ونغطي عشرات الأنشطة، وليس فقط 12 تظاهرة!

وبالعودة إلى ميزانية 2021 التي تمت المصادقة عليها خلال دورة أكتوبر، ورغم ظروف “الجائحة”، التي تسببت في انخفاض مساهمة الدولة بنسبة 10% وتراجع المداخيل بـ6% وانخفاض مداخيل التجهيز بـ5,1%، قرر مُعدّ هذه الميزانية عدم المساس بتعويضات الرئيس و”المؤلفة قلوبهم” من المستشارين، البالغة 300 مليون، مع تخفيض قدره 10% “فقط” في بعض مصاريف التسيير.

كما ارتأى المجلس، كذلك، تخفيض المساهمات الموجهة للخيريات والجمعيات الرياضية إلى النصف تقريبا، مع الحفاظ على نفس المبالغ المخصصة لجمعية “الباطرونا” والغرف المهنية والسياحية، والمحددة في 700 مليون.

وأكثر من ذلك، ستكون ميزانية 2021 والميزانيات المقبلة ملزمة بتحمل تبعات القرض من البنك الدولي، الذي قرر المسؤولون “إغراق” الجهة فيه، إذ بلغت “النشاطات المالية المتعلقة بتكاليف الديون” في 2021 مليارا و700 مليون سنتيم، وسيبلغ أكثر من مليار و800 مليون في 2022.

كل هذه التفاصيل والمبالغ المهمّة من المال العام لا يعيرها أعضاء الجهة أي اهتمام، بل إن تركيزهم منصب، فقط، على كيفية تسويق وترويج 34 مشروع ضمن “العقد/البرنامج” مع الدولة، المصادق عليها.

هذه المشاريع خلفت تحفظات لدى بعض المستشارين، رغم تكتمهم على الأمر خلال هذه الدورة، لدواعي “سياسية وانتخابية”؛ تحفظات بلغت حد اتهام رئيس الجهة بالتراجع عن بنود ميثاق الشرف، الموقع بين أحزاب الأغلبية.

ويعود مرد هذه الملاحظات، حسب من تحدثت إليهم جريدة “الديار”، إلى تغييب العدالة المجالية في توزيع المشاريع وتركيز الكبرى منها والهامة في كل من فاس ومكناس، في الوقت الذي ما زالت المناطق الأخرى تستفيد من برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية.

بل هناك من ذهب إلى حد اتهام من وصفهم بـ”المسيرين الفعليين” للجهة باستغلال هذه المشاريع في حملة انتخابية سابقة لأوانها، مستدلا ببرمجة مشاريع “موجهة” (Ciblés)  في المناطق التي تعد بمثابة خزان انتخابي لبعض أحزاب الأغلبية.

ويبقى الأهم، من وجهة نظري، مدى توفر الجهة على دراسة الجدوى والأثر من هذه المشاريع التي تكلف أموالا طائلة، باعتبار أنه تمت المطالبة، في اجتماع إحدى اللجان بهذه الدراسات. كما طُرحت تساؤلات حول مدى التزام باقي الأطراف بحصصهم المالية، وباعتبار أن جل دورات الجهة تعرف، منذ مدة، برمجة “تحويل اعتمادات” بسبب “أخطاء” تخص الأسماء والدراسات والمشاريع؛ إذ يمكن، في هذا الصدد، تقديم أمثلة حول “العبث” في برمجة المشاريع، ويهم الأول جماعة “عين الشكاك” بإقليم صفرو، التي ستحتضن مشروعين (منطقة صناعية وإحداث مركب جامعي ضخم)، دون أن تتوفر المنطقة على البنية التحتية لاحتضانهما، علاوة على مشروع الطريق السريع بين فاس وتاونات، كمثال ثان، والذي تمت برمجته منذ فترة، في انتظار التزام وزارة التجهيز والنقل بحصتها في المشروع.

أما المثال الثالث فيتعلق بمشروع طريق، ما زال يراوح مكانه منذ 2016 في جماعة “تيساف” بإقليم بولمان، خصصت له ميزانية مهمة، دون أن ينفذ بسبب أخطاء “عبيطة”، وصلت إلى درجة إغفال أن مقطعا منها يدخل في النطاق الجغرافي للجهة الشرقية!..

وعلى ذكر إقليم بولمان، الذي يتحدر منه امحند العنصر، رئيس الجهة، فقد كان نصيبه من “غنيمة” الـ34 اتفاقية بناء وتجهيز مستشفى للقرب ومركزين ثقافيين، في الوقت الذي أصبحت أغلب دواوير الإقليم مجرد “أطلال” بعد هجرة ساكنتها لاستحالة استمرار العيش في المنطقة؛ ذلك أن 5 % فقط من الحاصلين على البكالوريا تبقى مرتبطة بالإقليم، أما الباقي فيغادر للبحث عن آفاق أرحب في المغرب “النافع”.

إقليم، تشكل مساحته 38% من تراب الجهة، لا يتوفر ولو على مشروع مهيكل واحد، رغم شساعته وتوفره على العديد من المؤهلات الطبيعية (أراض وثروات منجمية وسياحية)؛ بل هو الوحيد في الجهة الذي لا يتوفر على سد مائي يُسهم في حل مشكلة عطش الساكنة.

وحتى لا نبخّس “مجهودات” السيد رئيس الجهة، فقد تمت برمجة مشاريع، على صعيد إقليمه، خلال السنوات الماضية، تتعلق بالطرق والماء الصالح للشرب، ويتكلف “وريثه” في مجلس النواب بترويجها و”استغلالها” رغم أنه لم يطرح إلا سؤالين مباشرين طيلة الولاية البرلمانية.

وتبقى هذه المشاريع متأخرة جدا عن أوانها، لأنه، بالنسبة إلى أبناء المنطقة، في 2020 يجب على المسؤولين الاستثمار في مشاريع مدرة للدخل لتحسين عيش المواطن وخلق الثروات، بجلب الشركات الكبرى وتشجيع السياحة، وليس توفير “الأساسيات” التي حُرم منها الإقليم طيلة ثلاثة عقود من “تمثيل” العنصر للمنطقة وتقلده لمناصب هامة في الدولة.

وفي السياق ذاته، أود أن أتوجه إلى المسؤول الأول في الجهة ونجله البرلماني بسؤال، أتمنى أن يحظى باهتمامهما: “ماهي الإجراءات المتخذة لإعادة بقايا هيكل أقدم “ديناصور” في العالم من متحف بلندن، والذي تم اكتشافه في منطقة “أنجيل” بإقليم بولمان؟”..

مجرّد سؤال، لا غير…