عبدالحق قسال يكتب: عزوف الشباب عن المشاركة السياسية.. إشكالية البديل (2/2)

ثانيا: إشكالية البديل

إن محاولة التفكير في خلق بديل لتجاوز هذه العراقيل التي تقف أمام الدينامية السياسية للمشاركة الشبابية في الممارسة السياسية تعترضنا عدة إشكالات منها ما يعود إلى ضعف مؤسسات المجتمع المدني، ومنها ما يرتبط بضعف ورداءة المشهد الإعلامي في التوعية والتحسيس بأهمية هذا الانخراط الهادف إلى تحقيق توازن سياسي ، هذا فضلا عن رداءة المشهد الحزبي من خلال سياسة التفريخ ، وكذا الوجوه السياسية المتوارثة والتي لا تنتج الجديد.

ضعف مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق المشاركة:

إن التبعية الاقتصادية والمالية لمنظمات المجتمع المدني لأجهزة الدولة والتمويلات التي تتلقاها تجعل منها خاضعة لها في كل شيء، صحيح أن هناك منظمات تنشأ طوعية، مدنية ، اختيارية ، لتحقيق أهداف عامة ، ويكون المنشئ منها غير ناجم عن المصلحة الذاتية ، لكن ينحصر دورها في البر والإحسان، صحيح أن في السنوات الأخيرة توالدت هذه المنظمات والجمعيات بكثرة ، لكن هل تلامس هذه المنظمات والجمعيات هموم الشباب على جميع المستويات؟ وهل هذه المؤسسات اليوم قادرة على التأثير على الحكومة واتخذ القرار؟ هل قادرة أيضا على محاسبة الحكومة وتقديم مطالب تصب لصالح الشباب خاصة؟ وهل قادرة أيضا على تمويل ذاتها في الوقت الراهن؟ إجابة على هذه الأسئلة  تبقى مؤسسة المجتمع المدني تابعة في كل شيء بداية من التمويل الذي تتوصل به الجمعيات أو المنظمات نتيجة الخدمات المقدمة للجهات المعنية ولو بصيغ خفية، إضافة إلى سيطرة الدولة على المجال العام والتدخل فيه وتوجيهيه ، كما نجد في أغلب الأحيان بأن الجمعيات التي تنشأ أو نقابات هي مجرد أجنحة لأحزاب سياسية لا تخرج عن تقديم خدمات لهذا الأخير في مقابل الدعم المالي ، وغياب وعي سياسي لدى هذه الهيئات في أغلب الأحيان مما يجعلها ضعيفة في الترافع على قضايا الشباب ، إضافة إلى فقدان الشباب الثقة حتى في هذه الهيئات .

ضعف التغطية الإعلامية في التوعية والتحسيس  بأهمية المشاركة :

لوسائل الإعلام أهمية تعادل  ما للمدارس والجامعات والمؤسسات في إقامة مجتمع المعرفة، وكلما توسع هامش الحريات في وسائل الإعلام وتمتع بها ، وزاد اهتمامها بالقضايا المهمة ، مثل الحكم الصالح ، والتمكين الاجتماعي ، تعززت الحوافز لتأسيس مجتمع المعرفة .غير أن أوجه القصور في وسائل الإعلام العربية تقلل من فعاليتها في هذا المجال، كما أن السيطرة الحكومية وغياب   الحريات الصحفية يقفان حجر عثرة ويحولان دون وصول عامة الناس إلى المعلومات، إن أكثر من سبعون في المائة من قنوات الإعلام التلفزيون العربي هي تحت إشراف الدولة التي تملك بدورها ، وكالات الأنباء .وكان من نتائج ذلك نشرات أخبار سلطوية  الطابع هزيلة المضمون ، تكاد تقتصر على الأخبار الرسمية أو أنشطة كبار رجال السياسة ، ونادر ما تحمل أخبار تهم عامة الناس [4] في ظل الثروة التقنية التي عرفها العالم لم يعد الاقتصار على جهاز التلفاز والراديو بل امتدت مع الشبكة العنكبوتية إلى وسائل جديدة،  لكن هذا التطور وهذا الامتداد لم يمنع السلطات من المتابعة والمضايقة عليها الشيء الذي جعل الإعلام في هذه المراحل لا يخرج عن تتبع الأنشطة الرسمية والبلاغات الرسمية ، وفي ظل الجفاف التي عرفته هذه القنوات التي تتصف بالجسم المريض وعدم الاستقلالية ، وهدفها يرتكز على الإشهار والربح ، مما جعله يركز على التفاهة ونشر الرداءة في مقابل الرفع من عدد المشاهدات في غياب تام للأخلاق الإعلامية الشيء الذي يبرهن على عدم قدرة هذه القنوات الإعلامية على عدم قدرتها على صياغة محتوى يرتقي إلى المعايير المهنية ويحترم عقل المتتبع .فالاهتمام بالربح فقط من جهة ، ومن جهة ثانية الانحراف عن الدور التثقيفي المنوط به ، لم يقدم الإعلام المغربي للشباب أي مساهمة من أجل التوعية والتحسيس بأهمية انخراطه وإشراكه في صنع وصياغة القرار السياسي ، بقدر ما يشجعه على إنتاج التفاهة واحيانا نشر الإجرام والانحراف من خلال برامج فاقدة للمضامين .

رداءة المشهد والوجوه السياسية:

إذا كانت التنمية في البلدان العربية لا تزال مطلبا وغاية ، فإن ركنها الأساسي يتمثل في الديمقراطية الحقة والمشاركة السياسية الفعالة من خلال إشراك كل المكونات من نساء وشباب ،فعلاقة بالأحزاب المغربية منذ الاستقلال طغى عليها نوع من التفكك والانشقاق والتشرذم بدل منطق الانصهار والتكتل ، كانت الغاية مقصودة من هذا التفكك الدي فرضه المخزن ضدا على ثقافة الحزب الواحد الذي يشكل تهديدا حقيقيا، لذلك جعلت الملكية مباشرة بعد الاستقلال من التعددية الحزبية مبدأ دستوريا ثابتا يلخص مراهنتها على واقع سياسي تعددي ينسجم مع كبيعة المؤسسة الملكية الحاكمة والتحكيمية ، فهذا التفريخ في الأحزاب السياسية على كثرتها وتنوعها رغم أنها في الجوهر تبقى لها سياق وحيد ، جعل من الشباب المغربي يفقد فيها المصداقية خاصة وأن هناك زعماء أحزاب توارثوا المناصب من زمان ويعتمدون خطابات مبنية على حق الشباب والنساء في الممارسة السياسية وغيرها من الشعرات فقط من أجل الربح الانتخابي ، كما نجد وجوه توارثت المناصب في الأحزاب السياسية بالرغم من الأمية وغياب وعي سياسي هادف إلى بناء ديمقراطية حزبية ، فالحزب أصبح مجرد وسيلة للاغتناء وحماية المصالح الخاصة بدون مراعاة الأهداف والمصالح العامة من اجل وطن ديمقراطي .وهذا لا يعني ان الشباب المغربي لا يتوفر على وعي سياسي بالعكس من ذلك له وعي سياسي أفضل من الممارسين الحزبين ، الشباب المغربي له انعدام الثقة في الممارسة الحزبية

خلاصة:

إن إعادة رد الاعتبار للشباب المغربي وثقته بالأحزاب السياسية  تقتضي إعادة النظر في الطريقة التقليدية التي تنبي عليها الأحزاب ، كما وجب إعادة النظر في قوانينها الأساسية التي تأخذ طابع أحادي في الصياغة وتختلف فقط في الشعار والألوان ، حتى وإن اعتمد هذا التعدد الحزبي وجب أن يكون تعدد  فعلي في الممارسة والاختلاف وليس في العدد فقط ، كما وجب إعادة الثقة للشباب المغربي والاعتراف بإمكانياته الرمزية ،بعيدا عن ثقافة رأسمال المادي وثقافة الجاه والسلطة ،كما يجب أن يعمل الإعلام بحس وضمير توعوي هادف من أجل مستقبل أفضل بدل الانشغال والتركيز على التفاهة من أجل جني الأرباح في مقابل نشر الجهل والأمية والصراع والتشرد على جميع المستويات .

*طالب باحث وإطار الدعم الاجتماعي بوازرة التربية الوطنية

[4] – أنتوني غدنز ، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة ،الطبعة الرابعة ، ص503

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة