محمد بابا حيدة يكتب: فاس الحضارة .. ولكن!

منذ سنة ونصف، قررت التوقف بشكل نهائي عن متابعة الشأن المحلي بمدينة فاس، وهي المدينة التي أتيتُ إليها قادما من البادية، فاحتضنتني أحياؤها الشعبية، وعلمتني كلياتها العريقة.. وتعلمتُ الكثير من أناسها، حيث الإنسان مُجبر على التطبع ببعض طباع المدينة، وكأنها لا تقبل بك إلا إذا استحقيتَ ذلك وفق شروطها.

قبل وفاة مؤرخ المملكة، عبد الهادي التازي رحمه الله، بمدة قصيرة، كنتُ قد أجريت معه حوارا طويلا عبر حلقات (موجودة على يوتيوب)، ومما قاله عن فاس وهو أحد علماء القرويين: “إن مدينة فاس مدرسة بأمييها وعلمائها، حيث الأميون في فاس، علماء في غيرها”، وهي حقيقة تاريخية، لكن اليوم هناك حقيقة أخرى!

الحقيقة الآن أن المدينة، يصدق فيها تشبيه طريف أطلقه عليها أحد الأصدقاء قائلاً: “فاس أصبحت بادية كبيرة وفيها الويفي”، لأن معالم الحضارة تكاد تختفي من المدينة، باستثناء ما يراه زوارها من معالم تاريخية تذكرهم بأن من هنا مرت حضارات.

المدينة تعاني سنوات طويلة من الإهمال، بفعل “فاعلين” تناوبوا عليها، وتنافسوا في من يثبت قدرته على تهميشها أكثر وقد نجحوا جميعهم قي ذلك.

إن الصورة التي باتت مرتسمة في الأذهان عن المدينة، ليس سببها الإعلام ولا مواقع التواصل الاجتماعي، بل سببها من أوصل المدينة إلى الحد الذي أصبح فيه المرأ يخشى على نفسه من قطع مسافة كيلومترين مشيا على الأقدام في واضحة النهار.

السبب هم أولئك الذين تسببوا في إغلاق عشرات المصانع ومحلات الصناعة التقليدية، دون أن يقدموا بديلا تنمويا، لمدينة يقارب تعداد سكانه المليوني نسمة.

السبب أولئك الذين قالوا إنهم يمتلكون عصا سحرية لجعل “فاس تستحق الأفضل”، لكن الواقع أن المدينة ما تزال تُسْحق نحو الأسوأ.
… وتبقى فاس الحضارة.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة