آية يحيى تكتب: “ادخلو الانتخابات بصباطكم!”.. “بروفايلات عاجزة” وغياب للبديل المنتظر بصفرو
على بعد أيام قليلة من الاقتراع المحدد في 8 شتنبر2021 الخاص بالانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية، بادرت الأحزاب السياسية الى نشر وتوزيع اللوائح الخاصة بالمرشحين من أجل الترويج لبرامجهم الانتخابية.
لوائح أثارت انتباه المواطن الصفريوي، بنوع من السخرية، بسبب نوعية المرشحين لهاته الاستحقاقات، ذلك أن “من هب ودب” سمح لنفسه دخول غمار التجربة دون احترام أدنى شروط الكفاءة والمستوى الثقافي والمعرفي.
فبالإضافة الى “محترفي الانتخابات” برزت وجوه لا علاقة لها لا من بعيد أو من قريب بالعمل الجماعي، مما يبرهن على أن الأحزاب السياسية وجدت صعوبة في إيجاد مرشحين أكفاء لتدبير شؤون المدينة، وكون جل “هذه الدكاكين” تفتقر لنخب محلية وجهوية لها من المؤهلات الفكرية والمعرفية والمنهجية والتدبيرية والتواصلية ما يؤهلها للترشح لتسيير الشأن العام المحلي والجهوي، وتبقى مدينة صفرو نموذجا مصغرا لما يجري بكامل التراب الوطني.
من المعلوم أن دستور 2011 أسند مجموعة من المقتضيات القانونية والوسائل المادية للجماعات الترابية التي تمكنها من الاضطلاع بدورها في النهوض بالتنمية المحلية والجهوية على أحسن وجه، كما يعول على هذه الانتخابات الجماعية والجهوية في بناء وتعزيز صرح الجهوية المتقدمة، وهو الورش الاستراتيجي الذي تراهن عليه المملكة للارتقاء بكافة مؤشراتها التنموية، وذلك من خلال اختيار ممثلين المجالس التداولية للجماعات الترابية.
ببعض هاته الوجوه، يمكن أن يقال عنها ” دخلت بصباطها”، والتي تفتقد لأدنى الشروط المفروضة في الناخب لا يمكن تصور أي أفاق مستقبلية للمدينة في مجال التنمية، لاسيما بعد تقديم التقرير العام للنموذج التنموي الجديد، الذي يشدد على دور المجالس الترابية في تنزيل مضامينه، وهو ما يعيد الى الواجهة سؤال الكفاءة في تدبير وتسيير الجماعات الترابية.
و تعتبر الكفاءات البشرية ركيزة أساسية ولبنة قوية لتدعيم أسس النظام اللامركزي، فالمنتخب يجب أن يكون مكونا فكريا ومعرفيا ومتعلما يضطلع بدور مهم في تنزيل المشاريع، بدءا من وضع الخطط حتى التنفيذ الفعلي، إلا أن مستوى هؤلاء المرشحين سيحد من فعالية هذه المقاربة التدبيرية.
فالمسؤولية تقتضي من المنتخب الإلمام بطرق وتقنيات التسيير المالي والإداري التي تجعل الجماعات الترابية قادرة على تنزيل مخططاتها التنموية بكل كفاءة وحنكة.
فالممارسة الجماعية السابقة أبانت عن ضعف تكوين المنتخب الترابي في المجال المالي والمحاسبي والتدبيري الذي كانت له نتائج سلبية على الجماعات الترابية، وعموما فعدم دراية بعض أعضاء الجماعات الترابية بمتطلبات وآليات التدبير المالي والإداري، نظرا لضعف تكوينهم ومستواهم في المجال المالي والمحاسبي والقوانين المؤطرة لهما، سينعكس سلبا على استقلالية القرارات الترابية وقد يفرغ الجهوية واللامركزية من محتواها، لأن ضعف مستوى المنتخب يوفر فرصة سانحة وسهلة لممثل سلطة الوصاية ليحل محله ويوجه عمل المجالس التداولية حسب رغبته ، مما يعني تقليص حدود سلطة المنتخب المخول له بموجب القانون ،مما يتنافى ومسألة الاستقلالية التي تقوم عليها اللامركزية كأحد ركائزها الأساسية.
ولعل المعطيات عن مستوى التعليم في الجماعات الترابية المغربية التي كشفت عنها وزارة الداخلية في تقرير صادر عن المديرية العامة للجماعات المحلية صادمة، فمن أصل 30 ألفا و663 مستشارا يسيرون شؤون جماعات المملكة الـ1503، 4739 منهم لم يلجوا المدارس في حياتهم. و 53 مستشارا على مستوى العمالات والأقاليم، من أصل 1563، في حين بلغ عدد المستشارين الأميين بجهات المغرب 7، من بين 678 مستشارا.
وسجلت المعطيات ذاتها أن عدد المستشارين الذي لم يتجاوز مستواهم الدراسي الابتدائي يصل إلى 8792 مستشارا في الجماعات، و212 في العمالات والأقاليم، و44 في مجالس الجهات، بينما الذين بلغوا التعليم العالي يصل عددهم إلى 7871 مستشارا بالجماعات، و637 بالعمالات والأقاليم، و460 على مستوى الجهات.
صحيح أن القانون المغربي لا يشترط الكفاءة العلمية لعضوية المجالس المنتخبة، على خلاف بعض التشريعات في القوانين المقارنة كالتشريع المصري، الليبي، اللبناني، الكويتي، السوري، السعودي، والأردني، غير أنه يجب استحضار الوازع الأخلاقي والوطني أثناء منح التزكيات للمرشحين ومراعاة الكفاءة والنزاهة والاستقامة.
غياب النخب عن لوائح الأحزاب السياسية يطرح أكثر من علامة استفهام حول قدرتها على تدبير الشأن العام المحلي والجهوي، لذلك نقول إنه من السهل على الدولة توفير الترسانة القانونية والموارد “اللوجستيكية” والمادية لتنظيم الانتخابات لكن المشكل المطروح: هو ماذا أعدت من موارد بشرية لهذه المسؤوليات؟، وإلا سيصبح المغرب أمام جهوية متقدمة بعناصر بشرية ضعيفة ونخب كلاسيكية بكائنات انتخابية ليس إلا.
تعتبر القوانين التنظيمية للجماعات الترابية متقدمة في مجال اللامركزية، وقاطرة للتنمية ومدخلا لإصلاح وتأهيل هياكل الدولة والتنظيم الترابي للمملكة، وعدم اعتبار المستوى الدراسي للمرشحين للانتخابات له سند دستوري، لكن إذا كان للدولة وللأحزاب إرادة سياسية فعلية عليهما الاتفاق على ميثاق شرف بين الأحزاب يفرض شروطا على المرشح وفق الاختصاصات المخولة له من مستوى ثقافي ومصداقية وتجارب ومؤهلات وقدرات علمية وفكرية ومنهجية وأخلاقية، فهل ستكون للأحزاب الشجاعة السياسية لوضع هذا الميثاق الشرفي بينها، أم أنها ستستمر في الرهان على الأعيان وأصحاب المال والكائنات الانتخابية؟ مما سيجعل البلاد أمام معادلة صعبة مرجعيات دستورية وقانونية وسياسية متقدمة مؤطرة للانتخابات، مقابل أحزاب متهالكة تتزعمها قيادات تقليدية تعيش خارج الزمن الدستوري المغربي.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة