إدريس العضراوي يكتب: استمرارية المرفق العام في زمن كرونا

تعتبر المصلحة العامة أهم العناصر التي تحكم المرافق العمومية، مما يفرض على المشرع والقضاء حمايتها، وذلك بتكريس مجموعة من القواعد والمبادىء التي يقوم عليها النظام القانوني للمرفق العام.ولعل من أهم هذه المبادىء سير المرفق بانتظام واضطراد، أو ما يسمى بمبدأ استمرارية المرفق العام principe de continuité du service public  .

يهدف مبدأ سير المرفق العام بانتظام ودون انقطاع لضمان حق المرتفقين من الاستفادة من خدماته بشكل مستمر، وأن يقوم بمهامه ونشاطه وتقديم خدماته على سبيل الدوام والاستمرار دون انقطاع أيا كانت الظروف التي يواجهها، لاسيما وأن تحقيق المصلحة العامة تقترن بالاستمرارية وبالدوام وعدم توقف سير المرافق العامة أو تعطلها عن العمل ولو عرضيا، وقد تكون له نتائج سيئة على المرتفقين لارتباط المرافق بمصالحهم اليومية.

مع حلول فيروس كرونا المستجد كوفيد 19 ببلادنا، بادرت السلطات العمومية من اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية، حفاظا على النظام الصحي، بإصدار مرسوم قانون رقم 2.20.292 بتاريخ 28 رجب 1441موافق ل 24 مارس 2020المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ، ومرسوم قانون رقم 2.20.293 بتاريخ29 رجب 1441 موافق 25 مارس 2020المتعلق بإعلان حالة الطوارئ بأرجاء التراب الوطني، وكدا تمديد سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بموجب المرسوم رقم 2.20.30 بتاريخ 24 شعبان 1441 الموافق ل 18 ابريل 2020  من تقليص تحركات المواطنين وضبطها إضافة إلى  توقيف العمل  بمجموعة من المرافق العامة عن العمل  وعلى رأسها تعطيل الدراسة بالمؤسسات التعليمية  العمومية والخصوصية بمختلف أسلاكها .

ولضمان استمرارية هذا المرفق الحيوي في أداء خدماته للمرتفقين (تلاميذ وطلبة )،تم تلقيهم الدروس عن بعد في منازلهم عبر المواقع والمنصات الالكترونية والقنوات التلفزية، إذ الهدف الأساسي من هذه العملية هو ضمان استمرارية المرفق دون الالتفات للجودة ،حيث يجوز للسلطة العامة اتخاذ مثل هذه التدابير الاستثنائية حفاظا على صحة المرتفقين والمواطنين بشكل عام ، وإلا تبقى مسؤولة عن الأضرار اللاحقة بالمنتفعين رغم أن حالة الطوارئ الصحية لم يتطرق لها الدستور المغربي غير أنه يمكن الاستعاضة عنها بالإعلان عن حالة الاستثناء المشار إليها في المادة 49 من الدستور أو حالة الحصار المشار إليها في الفصل 74 عندما تحدث تهديدات للنظام العام تتولى السلطات الادارية سلطات الضبط الإداري باتخاذ إجراءات احترازية  من اجل الحفاظ على النظام والسلامة الصحية لللمواطنين .

وفي إطار تكريس البعد التضامني في الظروف الاستثنائية، لم يتفق الفقهاء فيما يتعلق بالتعويض على أساس موحد يرجع إليه تبرير منح المتعاقد تعويضا جزئيا في حالة الضرر  استنادا إلى نظرية الظروف الطارئة، بحيث لا يحصل المتعاقد على تعويض كامل بل يتحمل جزء من تعطيل المرفق العام، ولا يتدخل القاضي الإداري إلا إذا استعصى تراضي الطرفين ( الإدارة والمرتفق )، وقد يكون التعويض مبلغا من المال تدفعه الإدارة مع المتعاقد على سعر الخدمات التي يقدمها المرفق العمومي .وهذا البعد التضامني الذي حاول المشرع المغربي تكريسه في الظروف الطارئة والاستثنائية كما هو الحال في تفشي وباء كرونا المستجد بالمغرب الذي يعتبر طارئ خارج إرادة الإدارة ولم تكن تتوقعه، مما أدى  إلى خلل في تقديم الخدمات الادارية، وبذلك يشكل عرقلة واضحة لمواصلة العمل الإداري بكل انتظام واضطراد.

وعموما، فالإدارة  تتحمل مسؤولية تأمين دوام سير خدمات المرفق العام بانتظام واضطراد في الأحوال العادية والاستثنائية، ولعل تحجيم أداء بعض الخدمات العمومية عن قرب لا يخل بمبدأ الاستمرارية بقدر ما يساهم في الحد من انتشار الوباء ومحاصرة هذه الجائحة من الاستفحال ، وفي نفس الآن وجب على  الأشخاص المتعاقدين مع الإدارة الذين يسيرون مرافق عامة الاستمرار في أداء أنشطتهم المطلوبة والمرخص لها في هذه الظرفية الاستثنائية، وبالتالي عليهم الاستمرار في تنفيذ التزاماتهم التعاقدية مهما كانت الصعوبات التي تعترضهم ويمكن الاستناد على نظرية الظروف الطارئة في ضمان تلك الاستمرارية

ومن أجل التصدي لهاته الجائحة وجب تكريس البعد التضامني من طرف كل من الإدارة والمرتفقين بالتعامل بنوع من الليونة والمرونة في الاستفادة من الخدمات الضرورية، والاستغناء عن بعض الكماليات انسجاما مع التحدي الذي رفعته مؤسسات الدولة لتطويق ومحاصرة الوباء وبالتالي احترام المواطنين كل الشروط والتدابير الاستثنائية للحفاظ على صحتهم وسلامتهم وكذا المساهمة في فعالية مرفق الصحة.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة