بين حب الإله والحبيبة والمال.. رواية “الرقص على المسامير” دعوة إلى مجابهة آلامنا والتمسك بآمالنا

في تجربة أقل ما يقال عنها أنها مائزة، يصوغ إدريس قرش، الروائي والشاعر، رواية مستقاة من أغنية مارسيل خليفة، “قلبي قمر أحمر.. قلبي بستان”، ليأخذنا في رحلة “الرقص على المسامير” في جزئها الأول “أقمار حمراء”.

الرواية، باللغة الفرنسية، اختير لها أن تحكي عن مجموعة من الشباب يعيشون في التسعينيات من القرن الماضي، لكل منهم طموح يتملك كيانه، ولهم جميعا، فردا فردا، نظرة وتطلع إلى مستقبل يحمل بين طياته مشاهدا من السعادة والفرح وتحقيق الأماني، خاصة تلك المرتبطة بالحب، فالحب هو الشعور الأسمى الذي يجتاح كيان الشباب، ويأملون مصادفته وهم في طريقهم إلى البحث عن الحياة… حياة لا يمكن أن تكتسي طعمها إلا بعد أن تتلون بألوان الحب.

في الرواية “عزيز” يمثل صورة الحلاج، وحبه الأبدي للإله، وبذلك ينساب باستمرار خلف رغبته الجامحة في الدوران حول نفسه، طامحا إلى الصعود إلى السماء.

شخصيات أخرى في الرواية تربط خلاصها بحضن الحبيبة، التي تضمد الجراح، وتمتص الآلام، وتكبح جماح المعاناة في لحظة من اللحظات، حضن الحبيبة ملاذ بالنسبة لهؤلاء لتحسس المستقبل ودرء تبعات الماضي المقيت وتجاوز الحاضر البغيض.

آخرون في الرواية، شباب ارتأوا الظفر بأكبر قدر من المال، لينعموا بملذات الحياة، الطريقة بالنسبة إليهم غير مهمة، سواء كانت مستوية أو حتى ملتوية، مأربهم جمع الثروة التي طال انتظارها، علها تمنحهم الاستقرار الذي ما وجدوه، ولن يجدوه!

رواية قرش، عن دار “لوريون” للنشر”، تجمع بين حب الإله بما هو أسمى أنواع الحب وأرقاها، وحب الآخر المتمثل في الحبيبة، وهو حب طبيعي جدا في أي مجتمع من المجتمعات، بل ولابد منه لتجاوز الشعور بالوحدة والفراغ. وحب التملك، تملك المال، الذي هو الآخر حب بديهي، ولا يمكن لأحد نكرانه ولو توسل إلى مختلف الحجج من أجل تحقيق الإقناع.

في روايته، اختار قرش، ابن مدينة فاس، أن يصور كل تمظهرات الحب تلك، في طابع يكسوه الكثير من الخيال، كما لو أنه متاهة لا تكاد إحدى الشخصيات تخرج منها حتى تجد نفسها هائمة وتائهة في سراديبها، كل ذلك صوره لنا كاتب الرواية في طابع اجتماعي مستقى من مرحلة التسعينيات، كما لو أن  قرش ينقلنا عبر لوحة ملونة بمختلف الألوان، مزركشة تحبب القارئ فيها، وتجذب ذهنه وفؤاده نحو تتبع مجرى الأحداث، ليحس ذاته واحدا من شخصيات تلك الرواية، التي قدم فيها كاتبها صورة عن كل فرد منا، فكل منا تتملكه عواطفه نحو الحب، ويظل حبنا وحده المختلف… كل منا هو في واقع الأمر شخصية من شخصيات الرواية، أو قد يجمع بين عدد من ميزات شخصيتين فأكثر… وبذلك هناك إشارات لنا جميعا، ينبغي أن نتمعن فيها كقراء للرواية، علنا نتمكن من استنباط معالمها، واستخراج مضامينها، وفهم معانيها، إنها تجربة اجتماعية ممتازة لكل قارئ.

إن الرواية تدعونا إلى فهم الحياة، والعلاقة الوطيدة بين آمالنا وآلامنا، بين ما نتطلع إلى تحقيقه، وبين ما هو مفروض علينا بشكل لا يمكننا مجابهته مما يغرز سيوف الآلام في أفئدتنا، ذلك أن رواية ادريس قرش فرصة لتقبل آلامنا مهما اعتلت وتيرة انغرازها في صدورنا ومهما كست حياتنا، عبر إحياء الأمل الذي لا يمكن العيش بمعزل عنه.