عبد العزيز التاقي يكتب: كورونا وافاق تكريس التعليم عن بعد بالمغرب
يعيش العالم حاليا على وقع هزات قوية جراء انتشار فيروس كورونا المستجد –كوفيد19- , المخلوق المجهري الذي ظهر بمدينة ووهان الصينية –حسب لمتداول- ليصبح في وقت قياسي عابرا للقارات والاقطار دونما تأشيرة، ويلقي بظلاله على كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، حتى طال الفعل التعليمي، فأحكم إغلاقه لالاف المدارس والجامعات حول العالم، واربك قواعد الإعراب وأنظمة الحساب وتريب اللغات، وعاد خطرا يهدد التعليم بأزمة هائلة ربما كانت الاخطر في زماننا المعاصر. فحتى 28 مارس 2020 ، وفق الاحصائيات، تسببت جائحة كورونا في انقطاع أكثر من 1,6 مليار طفل وطالب عن الدراسة في 161 بلدا، بما يناهز 80 بالمائة من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم. وجاء ذلك في وقت يعرف فيه المغرب جدلا واسعا بخصوص مدى نجاعة لسياسة التعليمية الحالية التي وصفها العديد من المراقبين بكونها تعيش حالة فراغ ، على اعتبارها تشكل صدى موجات إصلاحية متكررة بتراء طالت الجانبين النظري والقانوني على حساب الشق التطبيقي الواقعي، وهو ما تبرره النتائج والأرقام لتي نحظى بها على سلم ترتيب التعليم على مستوى العالم.
وفي ظل واقع كورونا الجديد الذي غير كل النواميس، وجعل كل الدول تغير استراتيجياتها قسرا، واجتاح حواجز الزمان والمكان، جاءت دعوات التعلم عن بعد لتجتاح هي الأخرى حواجز الزمان والمكان، هذا الأخير جعل من غياب الحواجز المكانية الثابتة مثارا للارتقاء إلى عوالم مختلفة جسورها شبكات الانترنيت الفسيحة، واجتياح زماني امتلك أدوات التخلص من روتين الذهاب والاياب ومزاحمة الاخرين بحثا عن سرعة الوصول الى حيز مكاني ربما كان أضيق مما تحتمله رحابة العقول. فكان التعليم عن بعد الخيار البديل للمغاربة شأنهم في ذلك شأن باقي دول العالم على مسافة من الفرق طبعا خصوصا مقارنة مع الدول المتقدمة.
فبغض النظر عن الحديث عن مدى نجاح التجربة من فشلها على اعتبارها في طور التجريب، فإن التعليم عن بعد من شأنه نقل الفعل التعليمي التعلمي من التلقين المباشر إلى الأداء التفاعلي المصحوب بالمؤثرات السمعية البصرية، التي تجعل من فعل التعلم “الجامد” عملية أكثر جذبا خصوصا في صفوف الأطفال، كما تساعد الطلاب على الولوج الى المحتويات عبر أبناك للمعرفة، دون التوقف عند عتبات رائحة الأوراق، ليسيحوا في بحر من الموارد التعليمية الرقمية التي تشمل تطوير مناهج ابتكارية وبرامج دراسية ومسارات تعليمية تكمل أضلاع التعليم التقليدي الذي يظل أمرا واقعا يفرض نفسه في كل الأحوال. والتعليم عن بعد أيا من شأنه تكريس عادات اجتماعية صحية ، وذلك عبر خلق منصات مجانية توفر للمتعلمين بيئة امنة للاتصال والتعاون، وتبادل المحتويات التعليمية وتطبيقاتها الرقمية، وتداول نماذج للواجبات المنزلية وكذا خلق فضاء للمناقشات في مواضيع ذات الصلة بالبرامج والمناهج التعليمية ، بالاضافة الى تمكنهم من توثيق ما يتعلمونه في الفصول، وتقاسمه مع الاخرين من الطلاب، ولم حتى مع الاباء، كل ذلك وفق نظام تعليمي تكيفي عبر جسور الشبكة العنكبوتية ، ليتحول ولوج الاطفال والطلبة اليها من فعل ترفيهي انعزالي في بعض الاحيان، الى سلوك تعلمي اجتماعي تشاركي الهدف منه الحصول على المعلومة المفيدة ، وتداولها بالشكل السليم الايجابي، بعيدا عن سفاسف الامور.
الا أنه ومع كل ما نستشرفه من ايجابيات للتعليم عن بعد كضلع من من أضلاع المنظومة التعليمية بالمغرب، وجب التعامل معه على قدر كاف من التعاطي المناسب على جميع المستويات، من تسطير لاهداف واقعية تتناسب ووطبيعة مجتمعنا المغربي، وتوفير الوسائل الكفيلة بانجاح هذا الفعل وجعله مكملا مناسبا للتعليم التقليدي المعتمد، وصولا الى إرساء نظام تقويمي فعال يراعي كل جوانب شخصية المتعلم.
إن من شأن أزمة كورونا أن تؤدي الى تغيير في الطريقة التي ينظر بها المغرب الى الفعل التعليمي، فرغم مساوئها التي يرى المراقبون أنها مؤقتة وستم التغلب عليها مستقبلا، يبقى التعلم عن بعد مطلبا أساسا كمكمل للتعليم التقليدي، وبديلا عنه في الظروف الحرجة حتى تستمر العملية التعليمية التعلمية ، ويستمر بناء الانسان الذي هو عماد الاوطان، دون التوقف كثيرا عند العوائق ، بل المطلوب إعتاحة الفرصة كاملة لإعمال العقول وإطلاق العنان للابداع، وبالتالي التمكن من تحويل المحن الى منح.