عبد الواحد السبتي يكتب: مراكز النداء نقطة الضوء الوحيدة في التشغيل بفاس في زمن كورونا
تعاني جهة فاس مكناس منذ سنوات ركودا اقتصاديا، فإذا استثنينا قطاع الوظيفة العمومية الذي يوفر لسكان المنطقة دخلا قارا وتأمينا صحيا والذي صار حلم الكثير من طلبة الجامعات ومعاهد التكوين وايضا القطاع البنكي الذي يعد من القطاعات الحيوية التي توفر فرص الشغل رغم ان البعض يتحفظ على هذا القطاع بسبب ظنهم ان فئة من المناصب به تكون عبر التدخلات، اما باقي القطاعات بالقطاع الخاص منذ بداية التسعينات وبداية إفلاس العديد من الشركات الصناعية بحي سيدي ابراهيم بفاس بعد ان كانت رقم 2 وطنيا بعد الدار البيضاء صناعيا، فمنذ ذلك صار جل الشباب الذي يتعذر عليه العمل بالقطاع الخاص والحامل للشواهد العليا بقطاع الهندسة خاصة والاقتصاد يفضل الهجرة للبحث عن عمل بالمدن التي صارت تستقطب الاستثمارات والصناعية منها كطنجة والدار البيضاء والآن القنيطرة بما ان شركات الجهة يغلب عليها طبع الشركات العائلية الصغيرة اذا استثنينا شركات كبيرة معدودة وكما يقال كل كنز عليه مئة عفريت، هذا دون اهمال المجال الفلاحي.
صحيح ان هناك قطاعات توفر الشغل بمدينتي فاس ومكناس كالتعليم الخصوصي والمتاجر الكبرى دون ان ننسى السياحة، لكن هذا المجال الأخير يبقى غير مستقر بين العرض والطلب ورهين بالقدرة الشرائية على المستوى العالمي ويمكن ان ينهار في أي لحظة كما تدهورت السياحة بسنوات كانت هناك توترات على المستوى الدولي والآن هناك تضرر كبير بسبب الجائحة للأسف فالعديد من عمال الفنادق والمطاعم المرتبطة بها وجدوا انفسهم بدون عمل وآخرون بأجر جد متراجع ..
بينما العاملون بقطاع التجارة الحرة فدخلهم متقلب بسبب المنافسة فبكل حي مثلا تسمع بمطعم او مقهى جديد ومحل ملابس يجعل التجار يتقاسمون الزبناء وبعضهم أعلن افلاسه بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن ..
و مع دخول الانترنيت بالبلاد دخلت مع الشبكة العنكبوتية فكرة مراكز النداء بسبب إتقان المغاربة للغات خاصة الفرنسية، فاستثمرت بالجهة منذ 2003 تقريبا اول مراكز النداء وبدأ ازدهار تلك المراكز مع دخول موسم 2006 و2007 بدخول مشاريع كبيرة لشركات فرنسية وبلجيكية وكندية في قطاعات حيوية وصار الأمر منذ ذلك الوقت يوفر دخلا قارا للأسر .
الأمر الذي جعل بعض حاملي الشهادات بجهة فاس مكناس يفضلون العمل بمدنهم ويفضلون مراكز النداء المتضلعة التي توفر لهم دخلا يكون متوسطا مع احتساب المتغيرات التحفيزية بالراتب في حالة تحقيق الاهداف في حدود 5000 درهم وقد تصل الى ما فوق 10000 في أحسن الاحوال اذا فاق الأجير بإحدى الفترات المنتظر منه بحالات نادرة، كما أن الاطر بمراكز النداء تتقاضى رواتب محترمة وكل أجير إبان عن كفاءته بإمكانه الترقية الأمر الذي جعل الشباب حاملي لشهادات الماستر والاجازة خاصة بقطاع الاقتصاد واللغات بالجهة يفضل العمل بمدينته بذلك الأجر على ان يتقاضى أجرا بين 4000 و7000 درهم بالدار البيضاء ينفق نصفه بالكراء المرتفع الثمن هناك وبمصاريف النقل.
وحسب الاحصائيات فعشرات آلاف الأفراد يعيشون من مراكز النداء بالجهة خاصة بعد توسع رقعتها والمنافسة التي صارت بينهم على جلب الكفاءات القادرة على تطوير المشاريع وجعل زبناء تلك المراكز يفضلون تسويع رقعة الاستثمار بمشاريعهم التي تتطلب توظيف مناصب جديدة .
وحسب تجربة عبد ربه، قمت بالحيازة على ماستر بالتسويق والتجارة بإحدى المدارس الخصوصية بفاس ثم سافرت للدار البيضاء للبحث عن تدريب قبلي للتوظيف وقضيت بالعاصمة الاقتصادية حوالي خمسة اشهر استنتجت فيها ان المدينة تصلح اكثر للمتخصصين بمجالات الهندسة والمعلوميات والتكنولوجيا بعد افتتاح “كازا نير شور” و”تيكنوبارك” وشركات دولية، فمجرد ان يضع المهندس سيرته الذاتية بتلك المقاولات تنهال عليه مواعيد مباريات التوظيف بفضل الطلب الكبير على المهندسين خاصة بفضاءات ما يعرف ب “الشور” بعد ان صارت طنجة تنافس العاصمة الاقتصادية على استقطاب المهندسين المتمرسين، أما فرص الشغل بقطاع الاقتصاد خاصة لحاملي شهادة الماستر فيشترط فيها كثيرا الخبرة، فمثلا شركة تصدير النسيج تبحث عن مسؤول تجاري تشترط ان يكون له 5 سنوات خبرة مثلا بشركة منافسة بنفس المنصب وليس في قطاع آخر مما يقلل من فرصة اشتغال حديث الشهادة، حيث تكون مجبرا للبحث عن عمل إما بأجر زهيد قد ينطلق من 3000 درهم بعد أشهر من التدريب بتعويض لا يؤدي حتى مصاريف التنقل او بتدخل معارف واصدقاء وأفراد الأسرة رغم التوفر على أعلى الشهادات، اما الشركات الكبرى التي قد تعطي فرصة لحاملي شهادة الماستر بمجالات “الماناجمنت” بدون خبرة تشترط عليك تدريبا يتراوح بين 3 اشهر و6 اشهر بمبلغ يكون معدله 1000 درهم دون وجود وعود صريحة بالتوظيف النهائي بعد فترة التدريب، الأمر الذي جعلني ادخل ميدان مراكز النداء والاستقرار بأحد مراكز النداء بفاس الذي يحتوي على مقرات كبيرة ومتفرقة بوسط المدينة، كما فضل ذلك العديد من حاملي الشهادات .
و مع دخول الجائحة تضررت جميع القطاعات لكن مراكز النداء الكبيرة بالجهة استطاعت الخروج بأقل الاضرار كالمركز الذي اعمل به ومراكز اخرى كبيرة بالجهة حيث تم توفير العمل عن بعد عند الاستطاعة ببعض المشاريع التي تسمح بذلك للابقاء على التباعد بين الأجراء الذين لم يتضرر راتب جلهم مقارنة مع القطاعات الأخرى ولم تتوقف بفترة الحجر إلا بعض المشاريع لمدة معينة بين شهر وثلاتة اشهر بسبب ركودها في تلك الظرفية …
و مع الركود الاقتصادي الذي سببته الجائحة بالعديد من القطاعات الحيوية قد يصير التوظيف حكرا بالحصة الاكبر على مراكز النداء خاصة اذا علمنا ان الشركات الاوروبية والكندية التي تضررت من الجائحة من المحتمل ان توسع رقعة استثماراتها بالبلدان الافريقية لخفض تكاليفها، حيث ان بعض الشركات التجارية بالجهة وعلى الصعيد الوطني للأسف والمرتبطة خاصة بالقطاع السياحي صارت تفكر بتقليص المستخدمين اكثر من توظيفهم وقد تصبح مراكز النداء الوجهة المفضلة للعاملين بالقطاعات المتضررة.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة