السبتي يكتب: إغلاق المساجد بزمن الوباء بين المنظور الديني والصحي ببلادنا

بعد بداية انتشار وباء كوفيد 19 اضطرت الأغلبية من البلدان ذات الغالبية المسلمة أن تقفل المساجد تجنبا لخطر نقل العدوى بين المصلين .

لكن بدأت بعض البلدان بالسماح بعودة المصلين للمساجد رغم عدم اندحار الوباء بشكل كبير جدا حتى الأوروبية منها مثل ألمانيا التي سمحت بفتح المساجد مع الإلتزام بالتباعد بين المصلين وألزمت كل شخص أن يحضر سجادته مع وضع الكمامة حتى إستحسن الكثيرون الأمر .

عموما ببلادنا تم الإنتقال من مرحلة الحجر الصحي الى مرحلة الطوارئ ومع تخفيف القيود التي وصلت الى السماح بفتح المقاهي والمطاعم والشواطئ اضافة الى الحمامات وملاعب القرب بجل المدن،  فتعالت الكثير من الأصوات المطالبة بفتح المساجد بما أن الكثير من الناس اشتاقت إلى العبادة ببيوت الله وجماعة ، موضحين حسب تقديرهم ان المسجد أولى من فتح اماكن ترفيهية أخرى وأن كل شيء هو بالقدر،  بينما آراء اخرى رفضت الإستعجال بفتح المساجد لما في الأمر من مجازفة صحية ولأن الصلاة يمكن تأديتها بالبيت ، فأي رأي أقرب للمنطق ؟

اولا من الجانب الديني فدعونا نفتتح كلامنا بما جاء في الصحيحين :

روى البخاري ومسلم  عَنْ نَافِع ، قَالَ : ” أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ، ثُمَّ قَالَ : صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ : ” أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ” فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ ، أَوِ المَطِيرَةِ ، فِي السَّفَرِ . أي ان النبي محمد عليه الصلاة والسلام كان يأمر الناس أن يصلوا في بيوتهم حين تكون ظروف السلامة غير متاحة لصلاة الجماعة بالمسجد كنزول البرد القوي والسفر،  فهنا نسقط الأمر على نزول الوباء الفتاك المعدي انه امر يجعل الصلاة بالبيت ضرورة وبالمساجد ممكنة او مكروهة او ممنوعة حسب شدة الوباء اذا أخذنا بالقياس كأحد مصادر التشريع .

أما بالقرآن الكريم فقد اشترط الله تعالى الاستطاعة قبل القيام بأي فريضة كالحج مثلا الذي قام به الرسول محمد عليه السلام مرة واحدة في حياته رغم انه عاش بمكة لسنوات لكن لم تكن الظروف ميسرة من الناحية الأمنية لسلامة المسلمين فحج عليه الصلاة والسلام حين أتيحت ، وأيضا الصيام الذي يصبح ممنوعا على المسلم في حالة المرض خاصة الشديد او السفر مخافة على صحته وذلك ضمن أمره تعالى ان لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة علما انه عز وجل شرع التقصير في الصلاة اذا شعر المسلم بالخطر والفتنة او اذا كان مسافرا  ، وكل هذا يجعلنا نستنبط من كتاب الله ان الصلاة بالمساجد في وقت الوباء الحالي من الافضل جدا تجنبها والاكتفاء بالصلاة والتدرع والتوسل للمولى عز وجل بشكل فردي او جماعة بالبيت.

لكن هناك وجهات نظر محترمة ترى انه بالصلاة في المساجد سيرفع البلاء وأن المسجد أولى من فتح أماكن الترفيه فكيف نرد على الأمر؟

أولا سنأخذ مثال الجارة الجنوبية موريتانيا، حيث كان بالبلد 8 حالات فقط من كوفيد 19 شفي 7 منها وتوفي شخص واحد ,و مع بقاء موريتانيا بصفر حالة نشطة لأيام عديدة قررت السلطات حينها رفع الحجر كليا بدون تدرج وفتح اماكن الترفيه والمساجد بشكل كامل وذلك وسط شهر رمضان تقريبا فكانت النتيجة انه دخل مهاجرون حسب إحدى المزاعم أعادوا للبلد الوباء وللاسف بسبب ذلك الرفع المتسرع الآن اصيب ازيد من أربعة آلاف موريتاني بكورونا ، أما بالمثال الثاني فبالشقيقة باكستان تم الإمتناع عن إقفال المساجد برمضان وامام وسائل الاعلام فقط ظهر مصلون متباعدون فكان عدد المصابين قبل رمضان لا يتجاوز 20 او 30 ألف اما الان للاسف تجاوز المصابون للأسف الشديد 200 ألف مصاب، يعني صحيا فرفع الحجر يجب ان يكون بالتريث

. اذن وكما أن المريض لا يشفى إذا صام تطوعا والفقير لا يصبح ثريا اذا اقترض المال من اجل الحج وهو لا يستطيع لان الله امر المريض بالافطار وبما ان امر الحج مقرون بالاستطاعة حسب القرآن، كذلك صلاة الجماعة مشروطة بتوفير سلامة المصلين، وبإمكان كل مسلم ومسلمة التضرع في الصلاة الفردية وإنفاق المال بكثرة للمحتاجين في زمن الوباء ليرفع الله البلاء وليكون الدعاء مستجابا الذي لا يشترط ان يكون بالمسجد.

ثانيا مسألة اقفال المساجد او فتحها يفتي فيها والي أمر كل بلد حسب الظروف، وبما أن أولي الامر منا أي السلطات أمرونا بعدم الإستعجال بفتح المساجد فيجب طاعتهم التي تجب حسب القرآن، لكن هناك من لم يتقبل القرار قائلا هل كورونا لا توجد بالشواطئ والمطاعم والأسواق وتتواجد بالمساجد! فنرد على الكلام ان اعادة فتح اماكن الاستجمام كانت للضرورة بعد تضرر الاقتصاد من اقفال الرحلات الجوية وحرمان الفنادق والمطاعم وتجار اماكن الترفيه من المداخيل وإلغاء عملية مرحبا للمغاربة القاطنين بالخارج وعدم السماح للسياح عبر العالم بالزيارة كانت عوامل بسببها اضطرت السلطات للتشجيع على السياحة الداخلية للخروج بأقل الاضرار مادامت ان الميزانية لا تستطيع تعويض الكم الهائل من العمال في تلك الخدمات ، كما ان قانون الطوارئ يخول للسلطات العمومية اقفال كل مطعم او فندق او شاطئ او سوق انتشرت كورونا بين المترددين عليه لما يمنحه القانون من مرونة ، كما ان فتوى المجلس العلمي بالمسألة رغم انها رجحت الفقه المالكي الذي ينص على ان تكون الصفوف متراصة بالصلاة لكن المسؤولين بالمجلس على دراية انه ولو تم الخروج استثناءا من قاعدة الفقه المالكي بالمسألة فيصعب على المصلين الإلتزام بالتباعد والكمامات لان الامر يحتاج شهورا ليصبح ثقافة عند الناس التي تجد صعوبة بالإلتزام

. اما بالجانب الصحي فمع الرفع التدريجي للحجر والسماح بعودة التنقلات بين المدن وما يرجحه البعض انها معالم بداية موجة ثانية من الوباء عادت الحالات ببلادنا للاسف للإرتفاع لتفوق المئات بحالات يومية بشكل شبه متكرر ، فلو قدر الله وأصيب إمام مسجد او مصلي سيصعب جدا حصر المخالطين بالتحاليل رغم ان المرض صار أقل فتكا وصار البعض يتعالج بزمن وجيز لكن مجرد التكلف بالمصابين وتوقفهم عن العمل لشهر تقريبا من اجل الحجر والعزل هو امر مكلف ماديا للدولة وللمواطن المتوقف كما ان المرض يشكل خطرا على أصحاب الامراض المزمنة ، لذلك لازال منع الحفلات والجنائز والمسابح ساريا ببلدنا ولازال إقفال الحمامات والقاعات الرياضية بمدن كبيرة كفاس وطنجة لازال مستمرا رغم ان الإقفال يبقى مكلفا للجميع لكن لابد من الخروج بأقل الاضرار .

إذن خلاصة الكلام إذا قمنا بتحليل الوضع الحالي سنجد أن عدم الإسراع بفتح المساجد فورا هو قرار صائب من الناحية الدينية والصحية رغم انه هناك اقتراحات لابأس بها ريثما تعود الحالات بالانخفاض تقترح التدرج بفتح المساجد، كالتدرج بالعدد او بالصلوات او البدئ مثلا بصلاة الصبح فقط او افتتاح المساجد بالمناطق التي تشهد صفر حالة نشطة لأسابيع اضافة الى افكار اخرى تقبل الدراسة ….

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة