أزوكاح يكتب: أخطر من كورونا.. تقرير الشامي وذكرى الزيوت المسمومة بمكناس

كورونا فيروس تسبب في أزمة صحية عالمية، لا نملك سوى مراوغته، بينما هناك في المغرب ما هو أخطر من كورونا، ما فتئت تتحدث عنه التقارير وجمعيات حماية المستهلك..

تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يرأسه احمد رضا الشامي حول الرقابة على المواد الغذائية والمبيدات، يكشف عن ضعف الرقابة، ما يهدد صحة المستهلكين.. ذلك خطر يمكن تفاديه لو كان هناك احترام للإنسان.. كما يتجلى في حرص السلطات على سلامة السلع المُصدرة مقارنة بتلك الرائجة في السوق المحلية… الوضعية الحالية تذكي المخاوف من إعادة إنتاج الكارثة.. وهنا لا يملك المرء سوى تذكر ما حدث بمكناس عام 1959!

انفجرت فضيحة الزيوت المسمومة قبل ستة عقود. لقد بدأت تظهر على الأفراد بمدينة مكناس أعراض داء مجهول يصيب 300 شخص في اليوم. تقول الباحثة مديحة الصيبوي ” كان المصابون يشتكون من أعراض متطابقة تقريبا، تمثلت في ارتفاع درجة الحرارة وقيء وآلام في المفاصل، إلى جانب فقدان التوازن وصعوبة التحرك بشكل طبيعي، وشُخص المرض بعد معاينة الحالات الأولى على أنه نوع من الشلل الذي ينتقل بطريقة معدنية دون معرفة مسببه، و اكتفى الأطباء بوصف بعض الحقن والفيتامينات المقوية للمصابين”.

و حارت السلطات العمومية في تسمية الداء، فمرة تسميه” داء التهاب جذور الأعصاب”وتارة تصفة بـ” التسمم” و أخرى ” داء مكناس” و” وباء توتر الأعصاب” و ” مرض عروض الاعصاب المتفرعة عن نخاع العمود الفقري ” و حتى ” بوركاب”.

تعدى الداء نطاق مدينة مكناس، حيث سجلت حالات جديد في الرباط و الدار البيضاء و طنجة و أكادير…و إلى غاية دجنبر 1959 بلغ عدد المصابين عشرة آلاف، أغلبهم من النساء، حيث أصيبت الأطراف السلفي للمصابين و لم يعد يقدر  75 في المائة منهم على تحريك أيديهم وشُل ما بين 10 و15 في المائة من المصابين، في الوقت الذي قدرت ” العصبة المغربية لضحايا الزيوت المسمومة” عدد الضحايا بـ 20 ألفا.

حجم الكارثة التي دفعت الأطباء المغاربة إلى الدفع بفرضية التسمم الغذائي، دفعت منظمة الصحة العالمية إلى إيفاد طبيبين بريطانيين، حيث قادت التحريات إلى زيت استهلاك داكن اللون مثير للريبة، وأفضت التحاليل التي خضعت لها تلك الزيت إلى احتوائها على ” ثلاثي أورطو كريزيل فوسفاط”، غير الصالح للاستهلاك. فتلك المادة التي لا لون ولارائحة لها، تصيب الخلايا العصبية و تعطلها أو تتلفها، ما يفضي إلى عدم التحكم في العضلات و المفاصل.

وقادت التحقيقات التي باشرتها لدى التجار الذين يبيعون زيوت الاستهلاك إلى أن الكارثة سببها لجوء تجار إلى خلط زيت الزيتون وزيت المائدة يزيت معدني يستعمل في تشحيم و تنظيف محركات الطائرات، حيث تجلى أن الزيت المعدني يحتوي ” ثلاثي أورطو كريزيل الفوسفاط” الذي اكتشفته التحاليل.

وقد أفضى تتبع سلسلة التجار الذين كانوا يبيعون تلك الزيت إلى ” تاجر قطع غيار السيارات وزيوت المحركات بمدينة الدار البيضاء. هذا الأخير نفسه حصل عليها من قاعدة النواصر العسكرية، التابعة للقوات الجوية الامريكية آنذاك” فقد كان التجار يشترون ” زيت الطيارة” من الدار البيضاء ويمزجونها بزيوت المائدة وزيت الزيتون.

و أظهرت التحاليل أن لتر واحد من زيوت مسمومة كان يحوي 67 في المائة من زيوت محركات الطائرات و 23 في المائة من الزيت الصالحة للاستهلاك. و تخلُص الصيبوي في بحثها إلى أنه ” يظهر أن التجار أخذوا وقتهم الكافي في عملية خلط الزيوت وتسويقها في الأسواق على نطاق جغرافي واسع… ما يوحي بأن مراقبة سلامة المواد الغذائية المتداولة في الأسواق كانت غائبة”.

لقد كان لكارثة الزيوت المسمومة أصداء قوية في العديد من مناطق العالم. فقد ألهمت عند وضع مدونة الأغذية Codex alimetarius، التي ضمنتها منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية المعايير والتوجيهات والتوصيات التي يجب الامتثال لها حين تحويل المنتوجات الفلاحية، بما يتيج ضمان نوع من الأمن الصحي، أي كل ما له علاقة بحماية المستهلك والعاملين في سلاسل الصناعة الغذائية والحفاظ على البيئة. وتتولى لجنة مدونة الأغذية Commission du codex alimentarius ، التي أحدث أربع سنوات بعد الكارثة، وضع المعايير التي يفترض أن تخضع لها المواد الغذائية.

لكن هل اعتبر المغرب بما حدث قبل أكثر من ستة عقود بمكناس؟

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة