قسال يكتب: عزوف الشباب عن المشاركة السياسية.. إشكالية البديل (2/1)

تلعب فئة الشباب دورا هاما في المجتمعات على جميع المستويات، الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية وكذا الثقافية… لذا تنعكس ظاهرة العزوف على كل الميادين سلبا، وهذه الظاهرة أصبحت عالمية وتنعكس بشكل خطير على البلدان النامية، خاصة وأنها في حاجة إلى شبابها من اجل نهضة اقتصادية، فكرية، اجتماعية. لكن ما نلاحظه هو عكس ذلك إذ نجد بوطننا المغربي نسبة المشاركة ضعيفة جدا، إذ أكدت المندوبية السامية للتخطيط بأن من سبعون بالمائة من الشباب المغربي لا يثق في الممارسة السياسية الحزبي، ولا في جدوى العمل السياسي، بالمقابل نجد خمسة بالمائة فقط هي من تؤمن بالعمل الحزبي، وأقل من اثنين بالمائة هي من تمارس العمل الحزبي وهذه النسبة في حد ذاتها لها ارتباط بالأسرة الحزبية وتمارس من داخل الهيئات السياسية، وتنعكس حالة الإفلاس الحزبي على الشباب بإحباط واسع، حيث يجد المغربي نفسه أمام انسداد سياسي، يفتح الباب أمام إفراز ظواهر اجتماعية اعقد من هذا تتمثل في الهجرة والالتحاق بجماعات متطرفة ، الإرهاب مثلا ..إذن فما هي عوامل هذا العزوف؟ وبماذا ترتبط إشكالية البديل؟ ماهي أهم المخرجات ؟ .

سأحاول معالجة هذه الإشكالية سوسيولوجيا من خلال تقسيمه إلى محورين أساسين يتفرعان عنهما فقرات .

المحور الأول: عوامل العزوف عن المشاركة السياسية

  • العامل السياسي
  • العامل الاقتصادي
  • العامل الاجتماعي

المحور الثاني: إشكالية البديل

  • ضعف مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق المشاركة
  • ضعف التغطية الإعلامية في التوعية والتحسيس بأهمية المشاركة
  • رداءة المشهد والوجوه السياسية .

أولا: عوامل العزوف عن المشاركة السياسية

في حديثنا عن العوامل المساهمة في  ضعف وأحيانا انعدام المشاركة الحزبية لدى الشباب  المغربي لا يمكن حصرها في عامل واحد ، وإنما هناك تداخل وتشابك لهذه المسببات ، منها ما هو اقتصادي ، وما هو سياسي ، ومنها أيضا ما هو اجتماعي ، إضافة إلى الأدوار التي لعبتهم الزوايا حيث ساهمت الزوايا مركزيا في حياة السكان، ولم تكتفي بالتدخل الاجتماعي أو التربوي أو الديني فقط، وإنما انخرطت في الحياة السياسية كذلك ،[1] لذا سنحاول أن نقف على كل عوامل من هذه العوامل على حدة:

العامل السياسي:

لابد من الإشارة أولا إلى أن نسبة الشباب في التشكيلة الاجتماعية المغربية تتجاوز خمسة وستون في المائة من السكان، ومقارنة هذه النسبة المهمة من الشباب نجد مشاركة سياسية جد محتشمة، وأحيانا منعدمة نهائيا في بعض المناطق وخاصة في العالم القروي، الشيء الذي يجعل ضعف هذه الممارسة تنعكس سلبا على الشباب بإحباط واسع جدا ، حيث يجد الشباب المغربي نفسه أمام انسداد للأفق والطموحات التي كان يهدف أو يخطط لتحقيقها، هذا نتاج ضعف الأحزاب السياسية وحتى ما يسمى بالمعارضة، وكل التنظيمات السياسية الموجودة في الساحة تعمل بشتى الوسائل على العزوف السياسي ، وعدم المشاركة الحزبية، فتبقى دائما فئة الشباب محرومة وغير قادرة على عملية صنع القرارات  أو المشاركة في التوجيهات العامة للحياة السياسية، نظرا لارتباط عملية صنع القرار السياسي بأيادي وفئات محددة، منها ما يرتبط بالمال والجاه، والتحكم في كل شيء ومنها ما يرتبط بإرث تاريخي من تدخل للزوايا في الشأن السياسي ، إضافة إلى الدور الذي لعبته القبائل في ترسيخ ثقافة تفويت السلط  بناءا على تقليد وعادات وأعراف ، كون القاعدة المحددة للمواقف السياسية وللسلوكيات التنظيمية في المجتمع القبلي المغربي هي ” أ جماعة” وهي مؤسسة عامة تسهر على المصالح المشتركة للقبيلة وتوازنها الداخلي.إذ تتكلف الجماعة الكبرى بالمهام السياسية الداخلية والخارجية ، كالعلاقات مع الجمهوريات المجاورة،والقضاء داخل القبيلة .فشكل التعين في القبائل كان دائما يقوم على امتلاك الأمغار سلطة رمزية ومادية أي أن يكون من الأعيان ، إضافة إلى تدخل دور المخزن في العملية من خلال تسخير الجانب الديني في ذلك باعتماد الزوايا في عملية الوساطة والتحكيم ، إذ لعبت الزوايا في التاريخ ادوار مهمة من خلال تدعيم آليات ضبط القبائل وإخماد صراعاتها والقيام بالدور التحكيم في النزاعات والتوسط لفائدة المنهزمين ، كما فعلت الزاوية الوزانية التي توسطت بين القبائل وبالضبط بين قبائل الريف الغربي والمخزن ، وكذلك بعض شيوخ الطريقة الدرقاوية  والكتانية والجازولية …وقد تتحول هذه الوساطة إلى تحالف الزاوية مع المخزن وتقديم ولائها له ، وخدمتها للسلطان الشيء الذي إلى تقديم امتيازات ومنح لها … [2]وقوفنا على هذه الأشكال التقليدية في تعين المسؤوليات السياسية ، ليس بهدف معرفة البنية الداخلية للزوايا وإنما من أجل التذكير بأن آليات الممارسة السياسية في الأشكال التقليدية كانت مرتبطة بالولاءات والأتباع ، وهذه التبعية لا تقوم على الكاريزمية السياسية والحكمة والفطنة وعقلنت تدبير الصراعات السياسية وإنما على ما يتوفر عليه المرء من ممتلكات مادية ورمزية إضافة إلى أن آليات انتقال هذه السلط يقوم أحيانا على الإرث، ليكون شباب اليوم ضحية هذه الأشكال والممارسات المتوارثة من جيل إلى جيل والتي يحس فيه شباب اليوم بالإقصاء واللا انتماء ، كما أن التخلف والأمية وانخفاض الوعي السياسي كلها عوامل تزيد من العزوف الانتخابي ، حيث أن المشاركة الحزبية للشباب تواجه أزمة ومشكلة لأنها تتطلب إضافة للمستلزمات المادية قدرا معينا من الوعي السياسي ، وتوفر هذا رهين بالتعليم والخبرة والحرية الإعلامية  والقطع مع بعض الطقوس والممارسات المتمثلة في قوة المالك للمال والسلطة ، إضافة إلى تدخل جهات رسمية في العملية وتوجيهها .

العامل الاقتصادي :

كما سبقت الإشارة قبلا بأن نسبة الشباب بالمجتمع المغربي مرتفعة جدا في مقابل ذلك هناك ارتفاع في نسبة البطالة، حيث أصحب البطالة تشكل”قنبلة موقوتة” و أن البطالة لا تقتصر على خريجي المؤسسات الجامعية والمعاهد والمؤسسات الخاصة ، وانما تشمل كل المكونات الشبابية للمجتمع المغربي، فعدم المساواة الاقتصادية أصبحت ظاهرة ملموسة ، والاختلال واضح في توزيع الدخل والثروات ، كما أن الفقر والحاجة عامل من العوامل التي أصبحت تمنع الشباب من التمتع بممارسة حقوقه وحريته، كما تمنعه أيضا حتى من التفكير في الانخراط في الممارسة الحزبية لأن الكل يعرف ويعي كيف تمر اللعبة السياسية وسبق و أن أشرنا إلى توارث بعض التقاليد والأعراف المتوارثة في الممارسة السياسية ، مما يخلق لدى الشباب المغربي تنامي مشاعر الاستياء والإحباط وتكوين نظرة سوداوية على الأحزاب السياسية ، لذلك نتساءل كيف تدخل هذه الشريجة الاجتماعية إلى الممارسة الحزبية في ظل غياب أبسط الحقوق الاقتصادية وانعدام التشغيل من جهة ، ومن جهة ثانية نعرف بأن الممارسة الحزبية تقتضي شروط وممارسات معهودة ليس في كفاءة الممارس فقط ، وإنما يجب أن يتوفر على رأس مال أيضا و أن يكون من ذوي النفوذ…لم يقف الأمر عند حد العطالة الشبابية بل أكثر من ذلك بل استمر الضغط حتى مع الأسر الفقيرة التي تعاني في صمت من خلال السياسة الجبائية ، فكان لهذا الضغط الجبائي الذي فرض على البوادي المغربية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر عواقب اقتصادية واجتماعية ، ساهمت في تدني مستوى عيش الشاب خاصة والأسر والساكنة عامة، مما أدى إلى بروز ظواهر مختلفة انعكست سلبا على أوضاع العديد من القبائل .فإن ما كانت القبائل إلى المخزن من أموال ساهم بشكل كبير في تدهور الأحوال المادية والاجتماعية لفئات عريضة من المجتمع المغربي .الأمر الذي دفع ببعض السكان عامة وخاصة فئة الشباب القروي إلى الفرار ومغادرة أراضيهم أو البحث عن حلول أخرى كالاقتراض …[3] هذه الأزمة الاقتصادية الممنهجة اتجاه الشباب جعلتهم يفكرون فقط في كيفية البحث عن حلول وضعهم الاقتصادي ولم يفكروا أبدا في دخول غمار الممارسة الحزبية لأن نظرتهم إلى الأحزاب ارتبطت بالحقد والعدوانية لما تعرضوا له من طرف مسؤولي الأحزاب وصناع القرار.

العامل الاجتماعي:

يعاني الشباب المغربي من عدة مشاكل اجتماعية تقف أمامه حاجزا  في تحقيقه متطلباته، نذكر على سبيل المثال التعامل الانتهازي للأحزاب السياسية مع الشباب المغربي، فيتم استحضار قضايا الشباب وهمومه فقط عند حلول الاستحقاقات الانتخابية بخطابات يغلب عليها الطابع العاطفي والتحايل من اجل ربح الرهان واستمالة الأصوات وجعل الشباب مجرد أرقام انتخابية فقط، بدل توفير رؤية هادفة ومتكاملة الشروط ، تحقق مبتغى وتطلعات الشباب من خلال الإشراك الفعلي، وصياغة مشروع مجتمعي يحقق التطلعات من خلال  إدماج الشباب في السياسات العامة وصنع القرار، وحمل مشعل الانتقال الديمقراطي ، وتمكينه داخل الأحزاب لتبوء مراكز القرار،  وتعميم مشاركة الشباب في صناعة الأحداث والتفاعل معها .

فحالة الإفلاس الحزبي تنعكس سلبا على الشباب بإحباط واسع ، فقد كشفت الإحصائيات أن الأحزاب غير معروفة لدى الشباب ، ويجد الشباب نفسه أمام انسداد سياسي .

[1] – د. محمد ضريف، الحقل الديني المغربي :ثلاثية السياسة والتدين والأمن، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي،مطبعة المعارف الجديدة المعارف الجديدة،ط1، س2017،ص 18

[2] – الهادي الهروي ، القبيلة، الإقطاع والمخزن:مقاربة سوسيولوجية للمجتمع المغربي الحديث(1844-1934)، افريقيا الشرق – المغرب،س 2005،ص123

[3] – علي بنطالب ، المخزن والقبائل: الضغط الجبائي وتداعياته 1894-1912،المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ، مطبعة المعارف الدار البيضاء،س 2013،ص 333

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة