محمد كمال المريني يكتب: أية مدينة نريد؟
لم يكونوا مدبرين ترابيين ولا مهيئين حضريين، لكنهم استطاعوا أن يخلقوا مدنا مندمجة في مجالها دامجة لمحيطها والوافد عليها، وذلك أن بناء وخلق المدن كان يتأسس على فلسفة، رؤية وتنطيق صارم للمجال لا تتداخل فيها وظائف الأحياء، عكس الحديث الذي يتأسس على المصالح.
كان التعمير يعتمد تنطيقا صارما للمدينة التي تتمحور على الجامع الكبير فالأحياء التجارية والحرفية، ثم الأحياء السكنية المخصصة للسكن من السكينة والسكون، وقد تجد فيها مسجدا صغيرا أو زاوية وذلك في غياب نصوص قانونية تؤطر التمدين وتوجهه، وغياب وثائق التعمير ومكاتب الدراسات المعتمدة على الصور الجوية والتصاميم الجاهزة التي تهدف بالأساس إلى تسليع المجال من دون معرفة مؤسسة على التاريخ والجغرافيا والأماكنية والأنتربولوجيا وعلم الإجتماع والأركيولوجيا..تسليع يخلق مدنا من دون روح ومن دون هوية مرضاة للرأسمال المتوحش.
لم تستطع صفرو الخلاص من تشوه نموها الحضري خاصة مع عدم توسع محيطها الحضري باضطراد مع النمو الديمغرافي مع الزمن قرابة أربعة عقود من 1944 إلى سنة 1981، فلم تستطع المدينة أن تتوفر على رؤية مهيكلة للمجال ولإعداد التراب من خلال تصميمي التهيئة السابقين، ولا في التدبير الحضري منذ أول توسيع للمدار الحضري بعد الإستقلال.
فعلى مستوى التدبير الحضري” من حيث هو إدارة ظروف عيش السكان داخل المدينة ويعني كل ما يتعلق بحاجياتهم من السكن والتجهيزات والمرافق والخدمات والأنشطة الإقتصادية. ” فإن الحصيلة متواضعة بالنظر لعدد الساكنة( حوالي 90000 نسمة) وحجم المدينة( 13 كلم مربع) وجاذبيتها بمناسبة مهرجان موسم حب الملوك المصنف تراثا لاماديا للإنسانية وكون المدينة رمزا للتعدد الثقافي والتسامح الديني، وهي حصيلة مخزية في الأحياء المضافة كل توسيع للمدار الحضري للمدينة التي تفتقر للتجهيزات والمرافق العمومية من دور الشباب ومراكز سوسيوتربوية وملاعب وحدائق..وهو أمر متوقع بالنظر لأن قرارات توسيع المدار الحضري للمدينة لم يكن نتاج فتح مجالات جديدة للتعمير، بل ضم لأحياء هامشية نبتت في ضواحي المدينة تحت أعين الجميع، وبالتالي يتوجه التدبير الحضري لهيكلة الأحياء المضافة وتجهيزها عوض انجاز برنامج الجماعة في ما يخص التجهيزات العمومية وتجويد عيش الساكنة، وهو ما ينسحب على تصميم التهيئة الذي عوض أن يبلور تصورا مهيكلا لتطوير المدينة وتوسعها بما يضمن تنمية مستدامة، فإنه يركز على توسيع المدينة بما يضمن ضم أحياء الضاحية بما ينتج عن ذلك فتح مناطق جديدة التعمير. إن تصميم التهيئة بهذا المعنى ليس مجرد تصاميم لتنطيق المدينة ومجالات توزيعها، تصميم التهيئة هو تصاميم وضابطة تحدد الإختيارات التي أسس عليها والغايات المرجوة منه ومنها: إعداد التراب بما يضمن عدالة مجالية، وهو ما يستوجب مقاربته مقاربة تشاركية وضمن صلب النقاش العمومي المفروض أن يواكبه.
بعيدا عن الكليشيهات الجاهزة، أعتقد أن مدينة صفرو، حديقة المغرب وأورشليم الصغيرة، المحتضنة برفق ومحبة تعددا ثقافيا ودينيا، المدينة المدثرة بتاريخ مجيد وتراث مادي ولامادي تستحق غدا أفضل، وأعتقد أن يشكل تصميم التهيئة والبرنامج التشاركي للجماعة و..فرصا لنقاش عمومي على قاعدة المقاربة التشاركية من أجل تنمية مستدامة يكون الإنسان مركزها وهدفها.
أتمنى أن يحسم مشروع تصميم التهيئة الجديد طبيعة مدينة صفرو وأية مدينة يريد، مدينة السياحة الثقافية والجبلية،أم مدينة مخدع لنوم المشتغلين بفاس وعين الشكاك بعد استكمال شروط انطلاق هذا الأخير، أم مدينة للمتقاعدين أولا.
ثانيا أن يأخد تصميم التهيئة بعين الإعتبار المقومات الطبيعية والتاريخية للمدينة التي تضم ثلاث غابات، وشلالات ونهر ومدينة عتيقة و..بما يضمن العدالة المجالية وتحسين شروط عيش الساكنة.
ثالثا أن يعتبر مهرجان موسم حب الملوك مرتكزا لتهيئة المدينة بما يستوجب ضمان انسيابية السير والجولان بالمدينة بخلق شبكة طرقية تربط أحياء المدينة، وتخصيص أماكن لإستقبال أنشطته.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة